الخميس، 27 أغسطس 2015

دراسات في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء الثالث عشر

الجزء الثالث عشر: الأنباط
مدخل:
إن تاريخ شبه الجزيرة العربية -إذا استثنينا الجزء الجنوبي منها -هو تاريخ الأحداث التي شهدتها جماعات سياسية صغيرة، قامت واحدة وراء الأخرى على طول حدود الصحراء من ساحل البحر الأحمر، إلى أطراف سورية وفلسطين وأرض الرافدين، ولم تكن هذه الدويلات مستقرة في تركيبها، وكانت قصيرة العمر، فهي في الواقع ليست سوى نتاج فرعي لعملية الاتصال والانتقال بين منطقة البداوة ومنطقة الحضارة المستقرة، فهي لم تكن فقط ملتقى ومحطا لحركات التوسع الموسمية، وإنما كانت في الوقت نفسه ستار حماية تنصبه المناطق المحيطة بالصحراء.
وقد شجعت الدول الكبرى التي كانت تسيطر بجوار هذه المناطق على قيام هذه الدويلات، واتخذتها درعا تتقي به من غارات البدو على تخوم حدودها، فكانت أشبه بالدويلات الحاجزة "Buffer State"، ولا ريب أن حب العربي للوفاء جعله يستطيع أن يتعامل مع هذه الأمم الغربية عنه، فكان لقاء "جعل" و"إتاوة" يترك مهنته في الغارة، ويخفر حدود حلفائه من تعدي القبائل الأخرى، وينعم في الوقت ذاته بحياة مستقرة نوعًا، ولكن الفرس والروم لم يكونوا يبقون على ثقتهم الدائمة في عرب الحدود، ولذلك كانوا يقضون أحيانًا على هذه الممالك البدوية أو يهملونها، فكانت تعود إلى حياتها الأولى.
ولكن بالإضافة إلى هذا العامل الجغرافي، شاركت قوى اقتصادية في تكوين شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة، فقد كان يحد شبه الجزيرة طريقان أساسيان على حافة الصحراء، تنتقل عليها السلع من المحيط الهندي إلى موانئ فلسطين وسورية، فكان أحد هذين الطريقين التجاريين يمتد من اليمن إلى جنوب فلسطين، والثاني يمتد من الخليج العربي، ويدخل وادي الرافدين، ثم ينحرف إلى سورية قاصدا دمشق، فعلى هذين الطريقين قامت دويلات الحدود العربية.
ولعل من أهم هذه الدويلات "دولة الأنباط" التي قامت على الأطراف الخارجية لمنطقة فلسطين، في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، متخذة من "البتراء" عاصمة لها، ومكونة حضارة عربية في لغتها، أرامية في كتابتها، سامية في ديانتها، يونانية رومانية في فنها وهندستها المعمارية، وهي لذلك حضارة مركبة، سطحية في مظهر الهليني، ولكنها عربية في أساسها.
هذا وقد اختلف المؤرخون في الموطن الأصلي للأنباط، فذهب فريق إلى أنهم من أهل العراق، وأن لغتهم التي تركوها على آثارهم، إنما هي أرامية متخلفة عن لغة ما بين النهرين، وأنهم قد هاجروا من العراق إلى "أدوم"، وذهب فريق آخر إلى أنهم عراقيون أتى بهم "نبوخذ نصر" في القرن السادس قبل الميلاد، عندما اكتسح فلسطين، فأنزلهم "البتراء"، ومجاوراتها، وذهب فريق ثالث إلى أنهم من جبل "شمر" في أواسط بلاد العرب، ثم سرعان ما نزحوا إلى العراق، وأقاموا هناك حتى دهمهم الآشوريون أو الميديون، فأخرجوهم من هناك، وأخيرًا ذهب فريق رابع إلى أنهم من شواطئ الخليج العربي، بينما ذهب فريق خامس إلى أنهم من قبائل بدوية، نزحت في القرن السادس قبل الميلاد "في حوالي عام 587ق. م" إلى شرق الأرن، فنزلت أرض الآدوميين- أحفاد عيسو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام5- وانتزعت منهم "البتراء" ثم سرعان ما امتدت سلطتهم إلى المناطق المجاورة.
ويرى المسعودي أن السريانيين إنما هم من النبط، وأن أهل "نينوى"-وكذا بابل- من السريان والنبط كذلك، ويذهب أستاذنا الدكتور سعد زغلول، إلى أن المسعودي من بين آرائه العبقرية التي كانت مصدر إلهام "ابن خلدون" في "مقدمته"، نظرية تقول: إن النبط وملوكها ترجع في أنسابها إلى "نبيط بن هامش" ومنهم كل العرب البائدة من عاد وثمود وجديس وطسم وعمليق، إلى جانب "عيلام في الأهواز وفارس" و"نبيط في بابل والعراق"، فكأنه ربط بين تاريخ بلاد العرب القديم جميعًا.
غير أن الأمر، إن كان صحيحًا بالنسبة إلى القبائل العربية في بلاد العرب والعراق فقد يحتاج -فيما نظن- إلى إعادة نظر، فيما يختص بعيلام وفارس، وقد سكنتهما شعوب هندو أوربية، وليست عربية على أي حال.
ومهما يكن من أمر، فإن النبط الذين أشار إليهم الإخباريون، إنما هم من بقايا الآراميين في العراق والشام، وهم- وإن كانوا يتكلمون بلهجات ربما كانت عربية، إلا أنها بكنة غربية عن العربية- ربما كانوا غير النبط الذين نتحدث عنهم وقد عاشوا في العربية الحجرية، ولهم كتابات دونت بالأرامية، وأن فريقًا منهم قد عاش في "تدمر".
وأما استعمال الأنباط للغة الأرامية، فلأنها اللغة الشائعة في ذلك العصر، بل إننا نرى الآرامية، منذ حوالي عام 500ق. م، قد أصبحت لغة المراسلات الدولية في منطقة الشرق الأدنى القديم، كما أصبحت اللغة التي يستعملها سكان منطقة الهلال الخصيب -وكذا الأنباط- كما أنها سوف تصبح لغة المسيح وشعبه فيما بعد، فضلا عن أن الحروف العربية لم تكن قد وجدت بعد، ومن ثم فلا عجب إذا ما دون الأنباط أو غيرهم من العرب بالأرامية- لغة الفكر والثقافة- وتكلموا بلغة أخرى هي لغة اللسان، وقد كان الأعاجم في الإسلام يتكلمون بألسنة أعجمية، ويدونون باللسان العربي، لسان العلم والفكر والقرآن الكريم.
ولعل الخلاف الأصلي بين الباحثين يكمن في أن الأنباط: قوم عرب، أم آراميون؟ وتتجه الآراء الحديثة إلى أنهم عرب، حتى وإن تبرأ العرب منهم، ربما لأنهم احترافهم مهنا يزدريها العربي الصميم، ويحتقر من يشتغل بها كالزراعة والصناعات اليدوية، وإن كانت بعض المراجع إنما تصف الأنباط بأنهم قوم يكرهون الزراعة ويزدرونها، كما كانوا يأنفون من السكنى في بيوت مستقرة، وقد كانوا رعاة يربون الأغنام وغيرها من الماشية، كما كانوا لا يأمنون وجود الأجانب بينهم، خشية أن يقعوا تحت سيطرتهم، ومن ثم فقد كانوا إذا ما وجدوا غريبًا بينهم قتلوه.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن العلماء يقدمون كثيرًا من الأدلة على عروبة الأنباط، منها:
"أولًا" أن أسماءهم- كما ظهرت في النقوش النبطية- إنما هي أسماء عربية خالصة، ومن ذلك نقش "بوتيولي"، على مقربة من نابلي بإيطاليا، حيث نقرأ -ولأول مرة- اسم "علي" الذي شاع بين المسلمين بعد ذلك، كما نقرأ كذلك في نقوش أخرى أسماء عربية -مثل حبيب وسعيد وكهلان وسعد الله ومرة وخلف وتيم الله وعميرة ووهب وحميد وسكينة وجميلة.
"ثانيًا" أن الأنباط إنما كانوا يشاركون العرب في عبادة الأصنام المعروفة عند عرب الحجاز، مثل "دوشرا" "ذو الشرى" واللات والعزى ومناة.
"ثالثًا" أن أثر التحريف العربي في كتاباتهم الآرامية، لا يدع مجالا للشك بأن لغتهم الوطنية، إنما كانت لهجة عربية شمالية، حتى بلغ الأمر من كثرة استعمال الكلمات العربية الصرفة في إحدى الكتابات الأثرية المتأخرة -والتي ترجع إلى حوالي عام 268م- أن النص كله يكاد يكون عربيا.
"رابعًا" أن أسماء ملوكهم -كالحارث وعبادة ومالك وجميلة- أسماء عربية، وليس من شك في أن للأعلام دخل كبير في بيان أصول الأمم.
"خامسًا" أن الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان- وكذا المؤرخ اليهودي يوسف ابن متى- إنما يطلقون على النبط كلمة "العرب"، وعلى أرضهم لفظ "العربية الحجرية" Arabia Petraea.
"سادسًا" أن لغتهم الأصلية إنما كانت العربية، وأنهم لم يستعملوا اللغة والكتابة الآرامية إلا في النقوش.
وهكذا يتجه كثير من العلماء إلى أن الموطن الأصلي للأنباط، إنما هو بلاد العرب -سواء أكان ذلك في الوسط أو في الجنوب- ومن ثم فإن فريقًا من الباحثين يذهب إلى أنهم قد نزحوا من البوادي إلى أعالي الحجاز، حيث استقروا هناك واشتغلوا بالزراعة والتجارة والإشراف على القوافل التجارية، بينما ذهب فريق آخر إلى أنهم من العربية الجنوبية، ومن ثم فقد كان هذا سببًا في احترافهم للحرف المألوفة في بلاد العرب الجنوبية منذ العهود القديمة.
ويرى الدكتور جواد علي أن الأنباط عرب، بل هم أقرب إلى قريش وإلى القبائل الحجازية التي أدركت الإسلام، من العرب الجنوبيين؛ ذلك لأنهم إنما يشاركون قريشًا في كثير من الأسماء، مثل حبيب وسعيد والحارث وقصي وعمرو ومسعود، وفي كثير من عبادة الأصنام كاللات والعزى ومناة -كما أشرنا آنفًا- ولأن خط النبط قريب من خط كتبة الوحي، ولأنهم يتكلمون لهجة قريبة من العربية، بل إن كثيرًا من الكلمات العربية المدونة بالأرامية، من نوع عربية القرآن الكريم، ثم هناك ما جاء في التوراة من أن "نبايوت" -وهو نابت عند الأخباريين- إنما هو الابن الأكبر لإسماعيل، عليه السلام، وإسماعيل-كما هو معروف- جد العرب العدنانية.
وأخيرًا فهناك الخبر الذي جاء على لسان "ابن عباس"، "نحن معاشر قريش من النبط، من أهل كوثاريا، قيل إن إبراهيم ولد بها، وكان النبط سكانها"، وأما أن "إبراهيم" قد ولد في "كوثاريا" فتلك رواية المصادر العربية، وإن كانت رواية التوراة تذهب إلى أنه ولد في "أور" -سواء أكانت في منطقة الفرات الأدنى، أو في منطقة العراق الأعلى في منطقة الجزيرة بين دجلة والفرات- بل إن هناك رواية أخرى -عربية كذلك- تنسب قريشًا إلى "كوثا" "كوثي" هذه، فقد روى ابن الأعرابي أن رجلا سأل الإمام علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وكرم الله وجهه- فقا: أخبرني يا أمير المؤمنين عن أصلكم معاشر قريش، قال: نحن قوم من كوثى، فقال قوم إنه أراد كوثى التي ولد بها إبراهيم، وتأولوا في هذا قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم} ، وسواء أصحت هذه الروايات أم داخلها التحريف، فإنها تشير دون شك إلى صلة قريش، أبناء إبراهيم عليه السلام، بالأنباط وبكوثى في العراق، فإذا كان ذلك صحيحًا، فإن الأنباط يصبحون إذن من المجموعة الآرامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية بعد الآموريين والكنعانيين -وكانوا بادي ذي بدء- يجوبون أنحاء وادي الجزيرة من ناحية الشمال، ويتحركون إلى الشرق من ناحية العراق، وإلى الغرب من ناحية سورية، حتى بدءوا يستقرون في العراق الأوسط، ومن المعروف أن هناك من يجعل قوم إبراهيم من هذه المجموعة الآرامية، وفي هذا ما يفيد إلى حد كبير صحة ما ذهبت إليه من المصادر العربية، من وجود قرابة بين القرشيين من ناحية، وبين الأنباط من ناحية أخرى.
ويرى الأستاذ العقاد -طيب الله ثراه- أن مباحث اللغة إنما تقدم لنا البينة الكبرى على قرابة النبطيين لأهل الحجاز؛ ذلك لأن لغة الحجاز لم تتطور من اللغة اليمنية مباشرة، وإنما جاء التطور من العربية القديمة إلى الآشورية إلى الآرامية إلى النبطية إلى القرشية، فتقارب لغة النبط ولغة قريش من هذا السبيل، وكان التقارب بينهما في الزمان والمكان، أو في درجات التطور، ولم يكن تقاربا يقاس بالفراسخ والأميال، وكانت هذه هي البينة الكبرى من مباحث اللغة على قرابة أهل الحجاز من النبطيين، ولم تكن هذه القرابة من اختراع النسابين أو فقهاء الإسلام، ولكنها كانت قرابة الواقع التي حفظتها أسانيد اللغة والثقافة، واستخرجتها من حجارة الأحافير والكشوف الحديثة.
هذا وقد أشار من قبل "مارتن شبر نجلنج" إلى ظاهرة انتقال الكتابة النبطية من منطقة مدين إلى الحجاز، وإلى تطور الخط العربي عن الخط النبطي، ومن ثم فإن الكتابة التي نكتب بها اليوم، إنما هي كتابة متطورة عن الخط النبطي، وهذا بدوره متطور عن الخط الآرامي، الذي استعمل في شمال شبه الجزيرة العربية منذ حوالي القرن الثالث قبل الميلاد، وقد كان منذ القرن السادس قبل الميلاد، خط كثير من دول الشرق الأدنى القديم، وأما أقدم نص عربي وصلنا بالخط النبطي، فهو "نقش النمارة"، الذي يرجع إلى عام 328م، وقد سبق لنا مناقشته بالتفصيل من قبل.
وعلى أي حال، فلقد أخذ النبط الأبجدية التي تلقاها الآراميون عن الفينقيين، ثم طوروها وحولوها من كتابة منفصلة الحروف، إلى كتابة متصلة الحروف، وبهذا أراحوا الكتاب من كتابة كل حرف على حدة، ومن وضع خطوط رأسية، أو نقط لتحديد حدود كل كلمة، أو ترك مسافات بيضاء بين كل كلمة وأخرى، وعنهم أخذ العرب الكتابة التي ما زلنا نستعملها إلى اليوم -كما أشرنا آنفًا-.
على أن هناك من يرى أن الألفاظ العربية التي وجدت في الآرامية النبطية، فضلا عن تشابه الأسماء بين العرب والنبط، إنما كان من أثر الاختلاط بينهما بسبب السكنى والجوار، وليس بسبب روابط جنسية بين الفريقين، ومن ثم فإن الأنباط إنما هم أراميون بالعرب وتأثروا بهم، أو على الأقل، إنما هم أراميون استعربوا بعد حين من الدهر.
وعلى أي حال، فإن أقدم معلوماتنا عن النبط، مصدرها مؤلفو العصر الهليستي، ومنهم "ديودور" و"استرابو"، وقد أخذ الأخبر معلوماته عن "أثينودورس"، ذلك الفيلسوف الذي ولد وعاش بين النبط3، هذا وقد اصطدم الأنباط باليهود مرارا، ولهذا يحدثنا المؤرخ اليهودي "يوسف بن متى" عنهم كثيرًا، وقد كان الأنباط -فيما يرى- يسكنون منطقة واسعة تمتد من نهر الفرات، فتتاخم بلاد الشام حتى تنزل إلى البحر الأحمر، كما أنه يرى- وكذا سان جيروم "345-420م"- أن هناك صلة بين اسم "نبايوت" بن إسماعيل، وبين اسم النبط، غير أن يوسف اليهودي لم يهتم بتاريخ الأنباط، إلا إذا كان هذا التاريخ له علاقة بتاريخ قومه اليهود.
هذا وقد ترك لنا الأنباط كتابات كثيرة في مواضع متفرقة- كالبتراء والحجر والعلا وتيماء وخيبر، وفي صيدا ودمشق، فضلا عن أماكن أخرى في حوران واللجاة وسيناء والجوف واليمن ومصر وإيطاليا- اهتم العلماء بدراستها ونشرها.
وعلى أي حال، فيمكننا القول أن مملكة الأنباط قد وصلت إلى أوج مجدها على أيام "الحارث الرابع" "9ق. م-40م"، وأنها كانت تشمل منطقة واسعة تضم دمشق وسهل البقاع، والأقسام الجنوبية الشرقية من فلسطين، وحوران وأدوم، ومدن العلا وسواحل البحر الأحمر، وبعبارة أخرى، فإنها كانت تضم جنوبي فلسطين وشرق الأردن وسورية الجنوبية الشرقية وشمالي شبه الجزيرة العربية، وأن القسم السوري منها إنما كانت تفصله عن قسم شرقي الأردن منطقة "اتحاد الديكابولس"، وأن وادي السرحان كان يربط ما بين القسمين، وأخيرًا فهناك ما يشير إلى وجود آثار للأنباط في الأقسام الشرقية من دلتا النيل.
وقد ظهر الأنباط لأول مرة في القرن السادس قبل الميلاد، كقبائل بدوية في الصحراء الواقعة شرقي الأردن، ثم استمروا كذلك حتى القرن الرابع ق. م، رحلا يعيشون في خيام، ويتكلمون العربية ويكرهون الخمر، ولا يهتمون كثيرًا بالزراعة، وفي القرن التالي تركوا حياة الرعي، واتبعوا حياة الاستقرار، وعملوا في الزراعة والتجارة، وفي أواخر القرن الثاني قبل الميلاد تحولوا إلى مجتمع منظم جدًّا متقدم في الحضارة ومتصل بالتطور والترف، وكان مثالهم هذا مثالا آخر يوضح الحادث الذي كان يتكرر في تاريخ الشرق الأدنى القديم، وهو تحول الرعاة إلى مزارعين ثم إلى تجار في بلاد قليلة الموارد، ولكنها حسنة الموقع بالنسبة إلى تجارة القوافل التي عوضت قلة مواردها الطبيعية.
وأما أقدم ما وصلنا من أخبار عن الأنباط، فإنما يرجع إلى عام 312ق. م، حيث يسجل هذا العام انتصار الأنباط على قوات "أنتيجونوس"، ذلك أن "ديودور الصقلي" يروي أن "أنتيجونوس" الذي خلف الإسكندر المقدوني "356-322ق. م" في سورية، قد أغار على "البتراء" في عام 312ق. م، بسبب موالاة النبط لـ "بطليموس الأول" "322-283ق. م"، ومن ثم فقد أعد حملة تحت قيادة صديقه "أثنيوس"، من أربعة آلاف من المشاة وستمائة فارس، ليجبرهم على التحالف معه ضد "بطليموس"، ونجح "أثنيوس" في أن يخفي أمر حملته، وأن يسير إلى البتراء عن طريق أدوم، وأن يباغتها ليلا، والناس نيام، فضلا عن غياب حراسها من الشباب والرجال الأشداء في سوق لهم، ومن ثم فقد كتب له النجح عليها، ونهب ما استطاع من بخور وتوابل وطيب وفضة، إلا أن الأنباط سرعان ما علموا بالأمر، فطاردوا الغزاة ذات ليلة كانوا يستريحون فيها من وعثاء السفر ومشقة الطريق، وأعملوا السيف فيهم، حتى قضوا عليهم، إلا خمسين فارسا هربوا بسلام، وإن أصيبوا بجراح من سيوف الأنباط، ويعلل "ديودور" ذلك الفشل الذي منيت به الحملة، بأن رجالها ما كانوا يتوقعون أن أن يطاردهم الأنباط بهذه السرعة، ومن ثم فقد أهملوا الحراسة، وكانت المأساة.
وعاد الأنباط إلى البتراء، وكتبوا رسالة بالسريانية إلى "أنتيجونوس" "Antigonus" يحملون فيها قائده وزر ما حدث، ويرد عليهم الرجل ردًّا مرضيًا، أن ما حدث إنما كان بغير علم منه، وأن قائده قد تصرف برأيه، ثم يختم رسالته بإعلان صداقته لهم، بينما كان في واقع الأمر، إنما يعد لجولة جديدة، قد يهيئ لها من الأسباب ما يكفل له النجاح، وهكذا ما أمضى طويل وقت، حتى يرسل إليهم ولده "ديمتريوس" على رأس حملة قوامها أربعة آلاف من الفرسان، ومثلهم من المشاة، ويبدو أن الأنباط إنما كانوا يتوقعون الخيانة من "أنتيجونوس"، ومن ثم فقد كانوا في حيطة من أمرهم، فأمنوا أموالهم في مواضع حصينة لا تصل إليها أيدي الطغاة الطامعين، ثم تفرقوا في الصحراء، وهكذا ما أن وصل "ديمتريوس" إلى الصخرة "أم البيارة" حتى هاجمها بعنف وشراسة، إلا أن محاولته هذه لم يكتب لها نصيب من نجاح، ومن ثم فقد عاد بخفي حنين، قانعا بما قدم إليه الأنباط من هدايا.
ويبدو أن علاقة الأنباط بالبطالمة بدأت تتدهور على أيام "بطليموس الثاني" "284-246ق. م" ذلك أن الرجل قد بدأ يفكر في احتكار التجارة البحرية والسيطرة على البحر الأحمر، ومن ثم فقد أمر بإعادة فتح القناة القديمة التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر، وهو المشروع الذي طالما فكر المصريون في تنفيذه على أيام الدولة الحديثة "1575-1087ق. م"، ثم على أيام "نخاو الثاني" "610-595ق. م" الذي تخلى عنه فجأة، لأن نبوءة جاءت من "بوتو" تقول أن القناة ليست في مصلحة مصر، وأنه لن يستفيد منها إلا الأجانب3، وهو نفس المشروع الذي أتمه "دارا الأول" الفارسي "522-386ق. م" لمصلحة بلاده.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن بطليموس الثاني قد أرسل بعد ذلك "أرستون" لكشف الساحل الشرقي للبحر الأحمر، إلى جانب إنشاء موانئ على هذا البحر، فضلا عن توسيع دائرة التبادل التجاري بين مصر وبلاد العرب والهند، وذلك رغبة منه في تصريف المنتجات المصرية كالمنسوجات والزيوت والآنية الزجاجية والأسلحة وغيرها من معدات القتال، فضلا عن الحصول على العطور والبهار والبخور والمر والقرفة والعاج والأرز والأصداف والآلئ والأصباغ والقطن والحرير من الصومال ومن بلاد العرب الجنوبية والهند.
وهكذا وضع بطليموس الثاني الساحل العربي للبحر الأحمر تحت سلطانه، كما عمل في نفس الوقت على توطيد علاقاته الطيبة بـ "ديدان" على طريق القوافل، وربطها بميناء جديد على البحر الأحمر، مما أدى في نهاية الأمر إلى تحويل تجارة البخور عن طريقها القديم الذي كان يمر ببلاد الأنباط إلى هذا الطريق الجديد، ثم العمل على نقلها بعد ذلك إلى مصر، عبر البحر الأحمر، عن طريق المراكب.
وقد أدى ذلك كله إلى أن تشهد العلاقات التجارية بين مصر وبلاد العرب، نشاطًا لم تعهده من قبل، ولا أدل على ذلك من أن البطالمة قد أنشئوا منصبا جديدًا في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الأول قبل الميلاد، وهو منصب "قائد البحر الأحمر والبحري الهندي"، الذي يرجع أن الذي كان يتولاه في بادئ الأمر، قائد مديرية "قفط" "بمحافظة قنا"، أما بعد عام 78ق. م فقد شغل المنصب قائد منطقة طيبة.
على أن الأمر جد مختلف بالنسبة إلى الأنباط، فقد كان استكشاف السواحل العربية على البحر الأحمر، وإعادة القناة التي تصل النيل بالبحر الأحمر، فضلا عن خضوع فلسطين وفينيقيا لمصر، إنما يعني سيطرة مصر على التجارة البحرية، وهذا يعني ببساطة خسائر فادحة للأنباط الذين كانوا يحصلون على أرباح باهظة من تجارة القوافل التي كانت تمر ببلادهم، ومن ثم فقد انتهز القوم فرصة الحروب التي استعر أوارها بين البطالمة والسلوقيين، وأخذوا يشنون الغارة تلو الأخرى على السفائن الذاهبة أو الآيبة من مصر، وقد أدى هذا الوضع الجديد إلى أن ينشئ بطليموس الثاني قوة بحرية لحراسة هذه السفن التجارية، بل إن هناك من يرى أن الرجل ربما قد أرسل -عقب رحلة أرستون- حملة ضد النبط، فضلا عن الاستيلاء على أهم المحطات والموانئ التجارية، كميناء أيله عند خليج العقبة، و"لوكي كومي" على ساحل الحجاز -وهي الحوراء مرفأ سفن مصر إلى المدينة على رأي، والمويلح على رأي آخر، وعينونة أو الحربية على رأي ثالث.
ومن المحتمل أيضًا أن بطليموس الثاني قد استولى وقت ذاك على الشاطئ الشرقي للبحر الميت الذي كان في قبضة النبط، كما أن هناك احتمالا، أنه قد شجع "ميليتوس" على إنشاء مستعمرة لها على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، في مواجهة "المدينة المنورة"، ومن هذا الثغر الذي عرف باسم "أمبلوني Ampione" كانت تجارة بلاد العرب والهند تنقل إلى مصر.
ملوك الأنباط:
كان "الحارث الأول" "169-146ق. م" على رأس هؤلاء الملوك، وكان يدعى عند اليهود "أريتاس Aretas" ملك العرب، وقد تسمى باسم "الحارث" كثير من ملوك الأنباط، ومن ثم فقد ذهبت بعض الآراء إلى أن هذا الاسم إنما كان لقبًا لملوك الأنباط، مثله في ذلك مثل فرعون عند المصريين، وقيصر عند الروم، وكسرى عند الفرس، والنجاشي عن الحبشة، وتبع عند اليمنيين.
وكان الحارث معاصرًا لمؤسس الأسرة المكابية، وأن الأسرتين قد بدأتا عهدهما كحليفين طبيعيين ضد ملوك سورية السلوقيين، ومن ثم فإننا نقرأ في سفر المكابيين الثاني أن "أريتاس" "الحارث" قد طرد "جاسون" -الحاخام اليهودي في بيت المقدس- من بلاده، وأن الأخير قد اضطر إلى الفرار إلى مصر، كما وقف "أريتاس" كذلك إلى جانب المكابيين قد ثورتهم ضد السلوقيين.
وجاء "زيدإيل" "146-110ق. م" بعد الحارث الأول، ثم خلفه "الحارث الثاني" في الفترة "110-96ق. م"، على رأي، وفي الفترة "139-97ق. م" على رأي آخر، وربما في الفترة "120-96ق. م" على رأي ثالث، وعلى أي حال، فهو المعروف باسم "إيروتيموس Erotimus"، وربما كان هو الذي عناه "يوسف اليهودي" في أحداث عام 97ق. م، فيما يرى بعض الباحثين، وذلك حين لجأ إليه أهالي غزة يطلبون معونته في أثناء حصار "إسكندر جنايوس" "103-76ق. م" لمدينتهم، إلا أنه لم يكن عند حسن الظن به على رأي، وأنه قدم إليهم ما يطلبون على رأي آخر، ومن ثم فقد بدأت العلاقات بين الطرفين تأخذ اتجاها آخر، حين رأي الأنباط أن المكابيين إنما يسعون إلى الاستيلاء على الأردن، ثم التوغل في أرض النبط نفسها، مما كان سببًا في أن يقف الأنباط في وجه السياسة المكابية.
وفي عهد الملك "عبادة الأول" نجح الأنباط في إلحاق الهزيمة بإسكندر جنايوس في موقعة دارت رحاها على الشاطئ الشرقي لبحر الجليل، ومهدت الطريق لاحتلال الجنوب الشرقي من سورية "منطقة حوران وجبل الدروز اليوم" أما إسكندر المكابي فقد فر إلى القدس، حيث قوبل هناك بمعارضة شديدة، سرعان ما تحولت إلى عداء صريح، يتمثل في استدعاء أحد الحكام السلوقيين وتنصيبه ملكًا، وهكذا وضعت الظروف، "إسكندر" بين خصمين قويين "ديمتريوس الحاكم السلوقي وعبادة الملك النبطي"، ومن ثم فقد رأى "إسكندر" أن من الخير له أن يكسب ود الأنباط، حتى يستطيع الحفاظ على عرشه، فتنازل لهم عن مؤاب وجلعاد، وأماكن أخرى كان يخشى من انضمامها إلى أعدائه.
ويعد "الحارث الثالث"- الذي جاء بعد "رب إيل الأول"- من أشهر ملوك الأنباط، وإن اختلف المؤرخون في فترة حكمه، فهي في الفترة "87-62ق. م" على رأي، وفي الفترة "85-60ق. م" على رأي آخر، إلا أنه مما لا شك فيه أن عهده قد اقترن بفتوحات واسعة، بدأت باستيلائه على دمشق، وعلى سهل البقاع في حوالي 85ق. م، وذلك بناء على دعوة تلقاها من سكان المدينة العريقة -وكانت عاصمة السلوقيين وقت ذاك- لإنقاذهم من هجوم "الأيتوريين" الذين كانوا يطمعون في الاستيلاء عليها، ومن ثم فقد أطلق عليه القوم، "محب اليونانيين وحاميهم".
وكان الحارث قد بدأ يستغل ضعف السلوقيين في مصلحته، ومن ثم فقد اهتبل فرصة هجوم "أنطيوخس الثاني عشر" "88-84ق. م" على بلاده، ولقنه درسا قاسيا عند "Kana" عند ساحل "يافا" في عام 85/ 86ق. م "أو في عام 84/ 83ق. م" قضى فيها على معظم جيشه.
وهكذا استطاع الحارث الثالث أن يوطد حكمه في الداخل، وأن يفرض نفوذه في الخارج، وقد واتته فرصة نادرة بعد استيلائه على دمشق، وذلك حين انضم إلى جيشه فريق من رجال الحرب اليونان، وقد عمل الحارث على الإفادة منهم في تنظيم جيشه وتدريبه، بل وتحويله من جيش يعتمد على رجال من الأعراب، يخوضون المعارك بروح من البداوة التي لا تقبل الخضوع للأوامر والنظم العسكرية، وتهتم أول ما تهتم بالغنائم والأسلاب، إلى جيش نظامي مدرب، كان الدعامة الأساسية في فرض نفوذه في الخارج، فضلا عن أن الرجل قد نجح بقوة هذا الجيش في أن يصبح أقوى حاكم عرفته بلاد الأنباط حتى يومه، ومن ثم فقد بدأ الحارث يتدخل في شئون مملكة يهوذا المتداعية، في أول الأمر، ثم يقدم على مواجهة جيوش الرومان بعد ذلك، وإن كانت النتيجة في كلتا الحالتين مختلفة.
كانت الأمور في دولة يهوذا قلقة، ومن ثم فقد كان على الحارث أن يضع حدا لهذا القلق، فإن لم يفعل، فإن الأحزاب اليهودية ما كانت بقادرة على أن تتركه على الحياد، وهكذا ما أن يمضي حين من الدهر، حتى يبدأ الجيش النبطي يهاجم يهوذا، ويشتبك معها في معركة ضارية عند "Addida" "الحديثة على مقربة من اللد"، ينهزم فيها جيش اليهود شر هزيمة، ويطلب "إسكندر" الصلح على شروط الأنباط، التي تجاهلها المؤرخ اليهودي "يوسفيوس" ولم يقل لنا عنها شيئًا.
ويبدو أن الظروف السياسية دعت الحارث مرة أخرى للتدخل في شئون يهوذا، إبان الخلاف الذي دب بين ولدي "إسكندر جنايوس" "أرسطو بولس وهركانوس"، وانقسام اليهود إلى فريقين، الصدقيون ويؤيدون "أرسطوبولس"، والفريسيون ويؤيدون "هركانوس"، الذي فر إلى البتراء، لعله يجد الحمى عند الحارث، فضلا عن إعادة التاجر إليه وتثبيت ملكه، على أن يعبد للحارث في مقابل ذلك، المدن الإثني عشر التي كان قد أخذها أبوه من العرب، ويقبل الحارث العرض أملا في أن يوسع أملاكه على حساب يهوذا، إن لم يقدر له أن يوجه إليها الضربة القاضية، وهكذا يوجه الحارث جيشا قوامه خمسون ألف رجل لمهاجمة "أرسطو بولس" الذي سرعان ما يفر إلى القدس بعد هزيمة منكرة، فيتابعه الحارث إلى المدينة المقدسة، ويكاد يستولي عليها، لولا قيام الرومان بالهجوم على دمشق، ثم إرسال حملة عسكرية إلى القدس نفسها للتدخل في النواع القائم وقت ذاك، ولمنع الأنباط من الاستيلاء عليها.
وهكذا يضطر الحارث إلى فك الحصار عن القدس، إلا أن "أرسطو بولس" -الذي نجح في أن يضم إليه قائد الحملة الرومانية- سرعان ما يتعقب الأنباط، وهم في الطريق إلى "ربة عمون"، وهناك عند "بابيرون Ppayron" دارت معركة بين الجانبين، انتصر فيها "أرسطوبولس"، وقتل ستة آلاف من أتباع الحارث.
وفي عام 62ق. م، بدأ الرومان يتحرشون بالحارث النبطي، ورغم أنه قد صمم -بادئ ذي بدء- على أن يعلنها حربا شعواء على الرومان واليهود سواء بسواء، إلا أنه سرعان ما أدرك الحقيقة المرة، وهي أن جيشه ما كان في استطاعته أن يقف أمام جيوش الرومان الكثيرة العدد والعدة، والمدربة تدريبا يفوق تدريب جيوشه إلى حد كبير، ومن ثم فقد لجأ إلى مهادنة هذا العدو القوي الشرس، وتم الصلح بينهما على أن يدفع الحارث جعالة للرومان، واعتبر "بومبي" أن ذلك إنما هو خضوع من الأنباط للرومان، ومن ثم فقد وضع صورة الحارث في موكب نصره، كما أمر القائد الروماني "سكورس" أن تضرب النقود وعليها صورة الحارث، وهو منكس الرأس، وحاملا سعفه، تعبيرا عن استسلامه.
وهكذا انتهت آمال الحارث في أن يرث مملكة السلوقيين في الشام، بخاصة وأن "بومبي" كان قد استولى على دمشق منذ عام 64ق. م، بعد أن كان الحارث قد أخلاها منذ عام 70ق. م، وإن رأى البعض أن الحارث قد احتفظ بدمشق في مقابل مبلغ ضخم من المال، وعلى أي حال، فإن "بومبي" قد ضم سورية الجغرافية  والتقليدية في ولاية واحدة وجعل من "أنطاكية" عاصمة لها.
وهناك في البتراء كتابة عليها اسم الحارث، دونها أحد قواده في "المدارس" -وهو معبد ذي الشرى إله الأنباط الكبير- هذا وقد كان الحارث مغرما بالحضارة الهلينيستية، ومن ثم فقد ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للتأثيرات اليونانية، فهو أول من سك نقودا نبطية، اقتبس لها النموذج المعروف عند البطالمة، كما أتى بالصناع السوريين الذي أدخلوا النماذج الهلينستية إلى عاصمته، وربما كانوا هم الذين نحتوا الواجهة الجميلة المعروفة اليوم "بالخزانة"، كما يرجع أن المسرح- وهو بناء على الطراز اليوناني- قد بنى زمن الرومان، وهكذا بدأت البتراء تتخذ مظاهر مدينة هلينستية نموذجية، فكان فيها شارع رئيسي جميل، وعدة أبنية وعامة.
وجاء بعد الحارث ولده "عبادة الثاني" الذي حكم في الفترة "62-60ق. م" على رأي، وفي الفترة "62-47ق. م" على رأي آخر، ولدينا من عهده نقد من الفضة من فئة "الدراخما"، يرجع إلى العام الثاني أو الثالث من حكمه، وقد صور الملك عليه بوجه حليق ورأس ذات شعر قصير، ويبدو أن سياسة الأنباط منذ أيام هذا الرجل كانت مقصورة على المحافظة على استقلالهم، والارتباط بالرومان بروابط الحلف والولاء، ومن ثم فقد شاركوا على أيام مالك الأول في حملة "يوليوس قيصر" على الإسكندرية في عام 47ق. م، بفرقة من الفرسان، ساعدته على القيض على ناصية الأمور هناك، والخروج من المأزق الذي كان فيه.
وجاء "مالك الأول"، وقد حكم في الفترة "47-30ق. م" على رأي، وفي الفترة "50 أو 47-30ق. م" على رأي ثان، أو "50-28ق. م" على رأي ثالث، بل إن هناك من يذهب إلى أنه قد حكم بعد "الحارث الثالث" مباشرة وأن ذلك إنما كان في الفترة "62ق. م".
وأيًّا ما الأمر، فإن التاريخ يحدثنا أن الأنواء قد عصفت بسفينة الأنباط على أيامه، ولم يكن ذلك بسبب يتصل بالرجل، بقدر ما كان يتصل بالتغييرات التي حدثت في "يهوذا"، ذلك أن الرومان كانوا قد عهدوا بأمور الشرق إلى "مارك أنطونيو" "-36ق. م" الذي عمل على القضاء على سلطة المكابيين، وإقامة سلطة أخرى من الأدوميين على رأسها "هيركانوس" إلا أن زمام الأمور إنما كان بيد "انتيباتر"، وما جاء عام 37ق. م، حتى أصبح "هيرودوس" بن "انتيباتر" ملكًا على أورشليم، واستمر كذلك حتى عام 4ق. م، وبعد نحو عامين من مولد السيد المسيح عليه السلام، الذي رأى العلماء أنه كان حوالي 6-2ق. م" إلا أن "هيرودوس" كان طوال تلك الفترة أداة طيعة في أيدي الرومان الذين نصبوه ملكًا على اليهودية.
وفي تلك الأثناء كانت العلاقات بين الروم والنبط قد تدهورت إلى حد كبير، ربما بسبب امتناع الأنباط عن دفع الجزية للرومان، وربما لأن النبط قد وقفوا إلى جانب الفرس عندما أرادوا الاستيلاء على فلسطين، وأيًّا ما كان السبب، فإن الروم، -وقد انتصروا على الفرس- بدءوا يتجهون نحو النبط، ومن ثم فقد أجبروهم حوالي عام 40ق. م، على دفع جزية كبيرة، ثم زاد الموقف تعقيد عندما منح "مارك أنطونيو" جزءًا كبيرًا من فينيقيا وسورية، فضلا عن بلاد الأنباط، إلى "كيلوبترا" ملكة مصر، جزءًا كبيرًا من فينيقيا وسورية، فضلا عن بلاد الأنباط، إلى "كيلوبترا" ملكة مصر، كما بايع ولده منها -ويدعى بطليموس- ملكًا على سورية، وهكذا أصبحت "كليوبترا" صاحبة الحق في جزية الرومان من الأنباط، غير أن النبط قد امتنعوا عن دفع الجزية لملكة مصر، ومن ثم فقد طلبت كليوبترا من مارك أنطونيو الإسراع في تأديب الأنباط.
وكانت سياسة "كيلوبترا" تهدف إلى السيطرة على بلاد العرب الشمالية، فضلا عما منحه إياها "أنطونيو" من أجزاء في فينيقيا وسورية، ومن ثم فقد أرادت التخلص من ملكي العرب واليهود على السواء، وهكذا شجعت "هيرودوس" ملك اليهودية على محاربة الأنباط، ويبدو أن "هيرودوس" كان ينتظر هذه الفرصة، ومن ثم فقد أسرع بشن هجوم على الأنباط عند "اللد" وما أن يتم له النصر هنا، حتى يسرع بالهجوم عليهم مرة أخرى عند "قنا" في البقاع، ويكاد ينتصر عليهم، إلا أن موازين النصر سرعان ما تغيرت إلى جانب النبط، فقتلوا عددًا كبيرًا من جيشه، وأسروا آخرين، وفر "هيرودوس" إلى القدس.
وهنا بدأ "هيردوس" يعد العدة لجولة أخرى، بخاصة وأن النبط بدءوا يهاجمون مدنه، مما أدى إلى قيام سلسلة من المعارك تبادل فيها الجانبان النصر النصر والهزيمة، فضلا عن الخسائر في الرجال والمعدات، ويزعم المؤرخ اليهودي يوسفيوس أن النصر كان في النهاية إلى جانب، وذلك حين جمع هيرودوس قواته وأعاد تنظيمها، فعبر الأردن، والتحم مع الأنباط في معركة ضارية عند "عمان" فأنزل بهم خسائر فادحة، فاقت خمسة آلاف قتيل، وأربعة آلاف أسير، فضلا عن سبعة آلاف أخرى لقوا حتفهم بأيدي اليهود، حينما حاولوا الفرار من الحصار، وكان نتيجة ذلك كله أن اضطر الأنباط إلى دفع جزية لـ "هيرودوس"، وإذا كان ما زعمه المؤرخ اليهوديب صحيحًا، أو حتى قريبًا من الصواب، فليس هناك من ريب في أن قوة هيرودوس لم تكن وراء هذه الانتصارات، وإنما كان السبب قوة الرومان الطاغية، وجنود الأنباط غير المدربين.
وجاء "عبادة الثالث" "30-9ق. م"، وربما لقى ميتة عنيفة على يد وزيره صالح "سيليئوس" الذي لقى نفس المصير في روما حوالي عام 5ق. م3، وعل أي حال، فإلى عهد هذا الملك ترجع الحملة الرومانية على اليمن بقيادة "إليوس جالليوس"- الأمر الذي أشرنا إليه من قبل- وإنه لمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك كتابة أثرية على تمثال لـ"عبادة الثالث" هذا، تصفه "بالإلهي"، مما يدل على أن الأنباط كانوا يؤلهون ملوكهم بعد الموت، وربما كان الأنباط في ذلك يقلدون السلوقيين الذين لقبوا أنفسهم بلقب "ديوس Deos" أي "الإله".
وخلف عبادة الثالث على عرش الأنباط "الحارث الرابع"، لمدة تقارب نصف القرن من الزمان "9ق. م-40م" وقد حمل لقب "رحم عم" أي المحب لأمته، ولقب "ملك النبط"، ورغم أن الرجل كاد أن يفقد عرشه حين تولاة دون إذن من "أغسطس" "27ق. م-14م"، قيصر روما، إلا أن عهده كان عهد رخاء وسلام، تابع فيه نشر الحضارة الرومانية، كما كانت علاقاته بجيرانه اليهود في بادئ الأمر طيبة، ومن ثم فقدزوج ابنته من "هيرودوس" حاكم اليهودية،، وابن هيرودوس الكبير، إلا أن هيرودوس قد تجرأ بعد حين من الدهر، فطلق ابنة الحارث الرابع، ليتزوج من راقصة كانت السبب في مقتل "يوحنا المعمدان".
ونقرأ في الإنجيل أن هيرودوس أراد أن يتزوج من "هيروديا" أمراة أخيه "فيلبس"، إلا أن يوحنا المعمدان قد أفتى بغير ذلك، ومن ثم فقد قرر هيرودوس التخلص منه، غير أنه خشي غضب القوم "لأنه كان عندهم مثل نبي"، ومن ثم فقد اكتفى بإلقائه في غياهب السجون، وتنتهز هيروديا فرصة عيد ميلاد هيرودوس فتتفق مع ابنتها "سالومي" على أن ترقص شبه عارية لعمها الملك، وحين تنتهي من رقصتها، ويفتن الملك بها، تطلب منه أن يعطيها رأس يوحنا في طبق، وتفعل سالومي ما أرادت أمها، وهنا يضطر الملك إن تنفيذ رغبتها، بناء على وعد منه أن يعطيها ما تريد، أيا كان هذا الذي تريد.
والأمر بهذه الصورة يحتاج إلى وقفة:
 "فأولا" ليس هناك من شك في أن يوحنا المعمدان "يحيى عليه السلام" نبي من أنبياء الله المصطفين الأخيا.
"ثانيًا" لماذ يمنع يوحنا هذا الزواج، ومبلغ علمي أن اليهودية -دين هيرودوس- لا تمنع ذلك بل تفرضه على المؤمنين بها، كما تفرض كذلك أن ينسب الأبناء من هذا الزواج الجديد إلى الأخ المتوفى، فإذا كان ذلك صحيحًا، فإن المسيحيين إنما يفسرون الأحداث طبقًا لتعاليم دينهم، وما كان هيرودوس مسيحيا، وإنما كان ملكًا يهوديا على دولة يهودية، فالتاريخ حتى تلك اللحة لا يتعامل مع ملوك، أو حتى شعوب مسيحية، كما أن يحيى -أو يوحنا المعمدان- كما يسمونه- لم يكن نصرانيا، حتى يفتي بشريعة النصارى، إلا أن يكون السبب الوسيلة التي تزوج بها "هيرودوس" من "هيروديا"، حيث تذهب بعض الروايات إلى أنه قتل أخاه "فيلبس" زوج هيروديا.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن الحرب سرعان ما تدق طبولها بين اليهود والأنباط، ولكن ليس بسبب قتل النبي الكريم، وإنما بسبب زواج هيرودوس بأرملة أخيه، وطلاق ابنة الحارث الرابع، فضلا عن اختلافهما على بعض مناطق الحدود، وهكذا نشبت المعارك بينهما، وانتهت بانتصار الحارث في "جلعاد"، ومن ثم فقد استنجد "هيرودوس" بالقيصر "تيبيريوس" "14-37م" الذي أمر عامله في سورية بالقضاء على الأنباط، ولكن بينما كان القوات الرومانية تتحرك نحو "البتراء" تأتي الأخبار بوفاة القيصر، فتتوقف الحرب، وينجو الحارث الرابع، بل وتسوء حالة "هيرودوس"، فيضطر الرومان إلى تنحيته عن العرش، ونفيه إلى أسبانيا.
وإذا ما عدنا مرة أخرى إلى الإنجيل، فإننا نقرأ أن دمشق كانت في يد الحارث الرابع، وأن عامله هو الذي سعى إلى القبض على بولس الرسول، الذي استطاع أن ينجو منه بأن تدلى من طاقة في زنبيل من السور، وأما متى خضعت دمشق للحارث، فربما كان ذلك حوالي عام 37م، وإبان الحرب التي استعر اوراها بينه وبين هيرودوس، وربما بقيت تحت سيادة الأنباط، في مقابل مبلغ بدفعونه للرومان.
وهناك عدد من النقوش جاء فيها ذكر الحارث الرابع، ومنها "197-216K354 Cih 11160"، وترجع في تواريخا إلى السنوات، الخامسة والتاسعة والثالثة عشرة والتاسعة والعشرين والأربعين والثالثة والأربعين، من حكم هذا الملك، وهي نصوص تتحدث في أمور دينية مرة، وفي أمور شخصية مرة أخرى، وتذكر أسماء بعض الأفراد مرة ثالثة، ومنها عرفنا أسماء بعض آلهة الأنباط مثل "دوشرا" و"منوتو" "مناة" و"قيشح"، وقد وصف الحارث في بعضها بـ "رحم عم" أى المحب لأمته، كما جاء في بعضها أسماء بعض أفراد الأسرة المالكة، مثل "شقيلة" ملكة الأنباط وزوج الحارث، ومالك وعبادة ورب إيل، فضلا عن مجموعة أسماء كانت شائعة عند العرب قبل الإسلام، مثل كهلان ووعلان وسعد الله ومرة وسكينة وحميد وحوشب وخلف وقين وتيم الله وجهلمة وعميرة ووهب.
وخلف "مالك الثاني" "40-71 أو 75م" أباه الحارث الرابع، ويبدو أن الأنباط قد فقدوا على أيام هذا الرجل مدينة دمشق، وإن كانت مجاوراتها من الناحية الشرقية والجنوبية الشرقية ظلت تحت السيادة النبطية، هذا وقد وصلتنا من عهد مالك الثاني عملات فضية وبرونزية، نقشت عليها صورته وصورة زوجته التي وصفت بأنها "شقيقة الملك"، مما يشير إلى أن بعض الملكات كن زوجات شقيقات للملوك الحاكمين، متبعين في ذلك عادة البطالمة، والذين نقولها بدورهم عن الفراعنة، وتشير كتابة أثرية على تمثال للملك عبادة بأن إحدى زوجات الحارث كانت أخته كذلك، ولعل ذلك كله -بجانب ظهور التماثيل النصفية المزدوجة للزوجين منذ عهد عبادة الثالث، وحتى نهاية عهد الملكية، يشير إلى أن المرأة النبطية، إنما قد وصلت إلى منزلة رفيعة في أثناء عهد الملكية.
وهناك ما يشير إلى أن الملك النبطي قد اشترك بفرقة من جيشه -بلغ عددها خمسة آلاف من المشاة، فضلا عن ألف من الفرسان، في الهجوم الذي شنه "تيتوس" في عام 70م على أورشليم، والذي انتهى آخر الأمر بتدمير المدينة المقدسة، وبانتهاء اليهود ككيان سياسي له وزن في فلسطين.
وجاء بعد مالك الثاني ولده "رب إيل" الثاني "سوتر Soter" وقد حكم في الفترة "70-106م" أو "75-101م"، ويبدو أن حكمه كان تحت وصاية أمه "شقيلة"، وأن أخاه "أنيس "أنيشو" كان يساعد أمه في شئون الحكم، وحينما بلغ الملك الصبي رشده، تزوج من أخته "جميلة" التي نقشت صورتها بجانب صورته على إحدى العملات واستقل بالحكم، ويبدو أنه هو الذي وصف بأنه "الذي جلب الحياة والخلاص لشعبه".
ويبدو أن الظروف السياسية بدأت تتغير عند وفاة "رب إيل الثاني"، ذلك أن الإمبراطورية الرومانية التي كانت قد ابتلعت الدويلات الصغيرة في سورية وفلسطين، بدأت تعد العدة لجولة فاصلة مع "الفريتيين"، ومن ثم فقد بدأ القادة الرومان يرون ضرورة إخضاع كل الدول التي كانت تفصل بينهم وبين أعدائهم، وهكذا أمر "تراجان" "98-117م" نائبه في سورية "كورنيليوس بالماء" في عام 106م، بأن يزحف على البتراء، وأن يضم دولة الأنباط إلى الإمبراطورية الرومانية، وهكذا أصبحت تعرف فيما بعد باسم "المقاطعة العربية Provincia"، وغدت "بصرى" عاصمة لها، بينما أخذت البتراء تتضاءل شيئا فشيئا، حتى أصبحت في القرن الثالث الميلادي مجرد مكان ضيئل الشأن، وإن احتفظت بمكانها كمركز ديني مسيحي مهم.
على أن نشاط الأنباط الاقتصادي -رغم ضياع نفوذهم السياسي- لم يتوقف، وظلوا يمارسون التجارة وقيادة القوافل بين مصر وبلاد العرب وموانئ البحر الأحمر، وبخاصة تلك التي تواجه السواحل المصرية، كما تدلنا على ذلك كتابات نبطية من سيناء ومن داخل مصر، ومنها تلك الكتابة، التي ترجع إلى عام "266م"، وأخيرا فإن بعضا من المستشرقين إنما يظن أن "عرب الحويطات" القاطنين في منطقة "حسمى" في شمال الحجاز، إنما هم من بقايا النبط.
البتراء:
تعد البتراء واحدة من أشهر مدن العالم القديم، كانت عاصمة لأدوم، ثم صارت لمؤاب، ومن بعدهم أصبحت عاصمة للأنباط، وتقع إلى الشرق من وادي عربة، في منتصف المسافة تقريبا بين رأس خليج العقبة والبحر الميت، أو على مبعدة خمسين ميلا إلى الجنوب من البحر الميت.
والبتراء: كلمة يونانية تعني الصخر، ولعلها ترجمة للكلمة العبرانية "سلع" التي جاءت في التوراة، والتي كانت تطلق على البتراء من قبل.
كما تعني كذلك "الشق في الصخر"، وربما كانت التسمية العبرية أكثر دقة؛ لأن مدخل البتراء يتسم بوجود أخدود عميق بين جبلين يعرف باسم "السيق"، ولعله لفظ نبطي متوارث، حرفه الناس عن "الشق" في السبئية القديمة، وعلى أي حال، فإن العرب قد عرفوا هذه التسمية كذلك، وقد ذكر ياقوت بأن "سلع" حصن بوادي موسى عليه السلام بقرب بيت المقدس.
وأما الاسم العربي للبتراء فهو "الرقيم"، وربما هو اسم ثان للبتراء كان الإغريق يعرفونها به هو "Arke" فحرفه العرب إلى الرقيم، وربما أرادوا بالرقيم "خزانة فرعون" بالذات، وأما اسمها الحديث فوادي موسى.
ونقرأ في التوراة أن "أمصيا" "800-783ق. م" قد خلف أباه "يهواش" على عرش يهوذا، وأنه حاول أن يسترد أدوم وسلع، وقد نجح في الاستيلاء على الأخيرة، ومن ثم فقد أطلق عليها اسم "يقتئيل" بمعنى "الخاضع لله".
وقد وصف "سترابو" البتراء بأنها عاصمة الأنباط، ولا تبعد عن أريحا إلا بأربعة أيام، وعن غابة النخيل بخمسة أيام، وهي موضع غني بالمياه، بل ربما كانت هي البقعة الوحيدة بين نهر الأردن وأواسط بلاد العرب، التي كان يوجد فيها الماء الصافي بكثرة، هذا ويشير سترابو كذلك إلى سكنى بعض الأجانب في المدينة، ومنهم جمع من الروم.
ولقد ازدهرت البتراء في أخريات القرن الرابع ق. م، واستمرت كذلك حوالي أربعة قرون، كانت تشغل في أثنائها مركزا خطيرا على طريق القوافل، الذي يقطع الصحراء واصلا بين سبأ في الجنوب، وثغور بحر الروم في الشمال، ويبدو أن ملوك الأنباط في أخريات أيام دولتهم قد أقاموا في أكثر الأحايين في "بصرى"، ثم جاء الغزو الروماني للمدينة في عام 105م "أو106م"، فنقل مركز الثقل بصفة نهائية إلى بصرى، وسرعان ما أخذت أهمية المدينة تتضاءل شيئا فشيئا، حتى أصبحت في ذمة التاريخ، وأخيرا كشف عنها "بوركهارت" في عام 1812م.
ولعل أهم آثار البتراء "خزانة فرعون" المنحوتة في الصخر، ومعبد ربما بني في القرن الأول قبل الميلاد، ويشبه إلى حد ما الكعبة في الجاهلية، حيث كان يضم عدة أصنام على رأسها "دوشرا" "ذو الشرى"، وكان يعبد على شكل حجر أسود مستطيل، ويعتبر إله الكرمة، وقد جئ به إلى أرض الأنباط في الحقبة الهلينية فاكتسب صفات "ديونيسوس"، أما سيدة الآلهات عندهم فهي "اللات" التي اعتبرها "هيرودوت" "أفروديت"، هذا وهناك كذلك "النجر" وهو جبل مقدس، تمتد على مقربة منه مذابح لتقديم القرابين.
وأخيرا، فلعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مولانا وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حينما خرج في السنة السادسة من الهجرة لغزو بني لحيان، سار على غراب "جبل بناحية المدينة على طريق الشام" ثم على مخيض ثم على "البتراء"، هذا فضلا عن أن ابن إسحاق قد ذكر من بين مساجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجد بطرف البتراء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق