الخميس، 27 أغسطس 2015

دراسات في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء السادس

الجزء السادس: دولة معين
1- معين والمعينيون:
يتفق العلماء -أو يكادون- على أن دولة معين، إنما هي أول دولة نستطيع أن نلمح بعض معالمها وسط ضباب التاريخ القديم لبلاد العرب الجنوبية، وأنها -طبقًا للنقوش التي تركتها في شمال اليمن حول بلدة معين- قد قامت في منطقة الجوف، بين نجران وحضرموت، وهي منطقة سهلة غرينية، اشتهرت بنخيلها وأخشابها ومراعيها، التي تعتمد على مياه "الخاردن" وعلى الأمطار التي تسقط هناك، فتكون سيولا تسيل في أودية، فإذا أضفنا إلى ذلك كله، أن الجبال تحيط بها من جهات ثلاث، مما يكون حماية طبيعية لها، لتبين لنا إلى أي مدى ساعدت تلك العوامل الطبيعية على أن تكون منطقة الجوف هذه، مركزًا هامًا للحضارات في اليمن القديم.
ومصادرنا الأصلية عن دولة معين، إنما هي الكتابات التي تركها أصحاب هذه الحضارة، فضلا عن كتابات الرحالة القدامى من الأغارقة والرومان، من أمثال "ديودور الصقلي" "من القرن الأول الميلادي"، و"سترابو" "66ق. م-24م"، الذي دعاهم "Minai= Meinaioi"، وأن عاصمتهم، "قرناو" "Carna=Karna"  وأما موقع بلادهم فقد رآه في الشمال من سبأ وقتبان، وإلى الغرب من حضرموت، أضف إلى ذلك أن "ثيوفراستوس" قد ذكر إلى جانب سبأ وقتبان وحضرموت- أرضًا دعاها "Mamaii"، رأى "أوليري" أن المراد بها "معين" Minaia" وأن تحريفًا حدث في النسخ، ومن ثم فقد صارت "1Mamaii"، وأما "بليني" "32-79م، فقد وضعهم على حدود حضرموت.
وأما المصادر العربية، فلا علم لها بهذه الدولة، وإن عرفت اسم "معين" و"براقش"، على أنهما موضعان في الجوف، أو محفدان من جملة محافد اليمن وقصورها القديمة، كما أنها جعلتهما من أبنية "التبابعة".
ويذهب "فريتز هومل" إلى أن صحة اللفظ إنما هو "معان"، وليس معين، وأن معان إنما هو النطق القديم جدًّا للكلمة، وربما كان "ألويس موسل" و"فيليب حتى" يريان نفس الرأي، من أن لفظة معان العربية "والتي جاءت في التوراة تحت اسم ماعون ومعون ومعين، على اعتبار أنها اسم موضع" قد أصبحت بعد ذلك "معين" بمعنى ماء نبع، ومن ثم فقد رأى البعض أن هؤلاء المعينيين المذكورين في التوراة، إنما هم سكان النقب، وحتى سيناء، بينما ذهب فريق آخر إلى أنهم سكان منطقة معان التي تقع إلى الجنوب الشرقي من البتراء، هذا وقد ذهب فريق ثالث إلى أنهم أهل "العلا"، "ديدان"، على أن التوراة قد جعلتهم من سكان النقب في بعض نصوصها، بينما جعلتهم في نصوص أخرى من القبائل العربية.
هذا ويرى "فريتز هومل" أن كلمة "مجان" التي جاءت في نقش للملك الأكدي "نرام سن" يقول فيه أنه "أخضع بلاد مجان، وأخذ مانيوم أمير مجان أسيرًا" إنما هو تحريف لإسم إقليم معين في اليمن، بل إن هناك رأيًا غريبًا -بعيدًا عن المنطق الزمني والمنطق التاريخي- يذهب إلى أن "مجان" هذه التي جاء ذكرها في النص الآنف الذكر، إنما هي "مصر" وأن "مانيوم ""مانو دانو" إنما هي تحريف لاسم "منى"، "مينا" أول ملوك الأسرة الأولى الفرعونية.
والرأي عند الدكتور حسن ظاظا أنه من المحتمل أن يكون لفظ "مجان" هو في الأصل "معان" في أقصى الشمال من الحجاز شرقي خليج العقبة، وليس قرب هذا المكان من العراق هو الذي يدعو إلى ترجيح هذه الفكرة، ولكن اسم هذا الأمير الذي كان يحكم الإقليم "مانيوم" الذي يبدو أنه نطق آشوري للاسم العربي "معن" "بالضم والتنوين"، وهو شائع في أسماء عرب الشمال، نادر في عرب الجنوب، لا نجده فيما نعلم في النقوش اليمنية، بينما يقابلنا بكثرة جدًّا في الشعر العربي الجاهلي، وفي النقوش العربية القديمة التي عثر عليها في الشمال كالنقوش الصفوية مثلا.
على أن موقع "مجان" هذه، قد أثار جدلا طويلا بين العلماء، فذهب "هوجو فنكلر" إلى أنها في الأقسام الشرقية من شبه جزيرة العرب، وذهب آخرون إلى أنها "جرها" "جرعاء" على ساحل الأحساء، بينما ذهب فريق ثالث إلى أنها إنما تقع على مقربة من ساحل الخليج العربي في موضع "مجيمنة" جنوب "يبرين"، وذهب "فلبي" إلى أنها على مقربة من الساحل عند مصب وادي شهبة، وهي البقعة التي نشأت فيها مملكة مجان القديمة.
ويذهب "كيتاني" إلى أنها "مدين" والتي كانت حوالي الألف الخامسة قبل الميلاد كثيفة الأشجار، وكان البابليون يأخذون منها الذهب والنحاس والأخشاب، ويعارض "موسل" هذا الاتجاه، محددًا موقع مجان على ساحل الخليج العربي، على أن هناك فريقًا سادسًا إنما يذهب إلى أنها منطقة "عمان" -أي الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية.
وأخيرًا، فلقد حاول بعض المؤرخين أن يحدد موقعها بخط طول 55 شرقًا، وخط عرض 24 شمالا، وبحوالي 450 ميلا إلى الشمال الغربي من مسقط، وأن كلمة "مجان" إنما تتكون من الكلمة السومرية Ma"" بمعنى ميناء أو أرض السفن، وذلك بسبب شهرة أهلها في ركوب السفن، فضلا عن أن هناك نصًّا يرجع إلى أيام "دونجي" "أحد ملوك أوربا حوالي عام 2450ق. م" يحدثنا عن صناع السفن من "مجان"، وأن النصوص المسمارية قد وصفتها بأنها "جبل النحاس"، كما أطلقت عليها النصوص السومرية "أرض الدولوربت"، ومن ثم فإن الإشارة إلى مجان على أنها جبل النحاس، تدفعنا إلى أن ندخل في دائرتها منطقة الجبل الأخضر بعمان، حيث يوجد النحاس، وهكذا يبدو واضحًا أن لدينا من القرائن القوية التي تقربنا من وضع مجان كمرادف صحيح لعمان، لأن كل ما ذكر آنفًا إنما هو موجود في عمان.
وأيًّا ما كان الأمر بالنسبة إلى موقع "مجان" وصلتها بمعين، فإن هناك من ذهب -قبل عصر الاكتشافات الحديثة- إلى أن المراد بلفظ "Minaeo" إنما هم "المنائيون" نسبة إلى "منى" في مجاورات مكة المكرمة، بل إن واحدًا من المؤرخين المعاصرين ذهب إلى أن المعينيين إنما هم قوم عاد، بينما ذهب آخرون إلى أنهم من بدو الآراميين الذين كانوا في أعالي جزيرة العرب قبل دولة حمورابي بعدة قرون، فلما ظهرت هذه الدولة واقتبست حضارة السومريين -الدينية والتشريعية والاجتماعية- كان المعينيون في جملة القبائل التي نالت حظًّا من ذلك كله، وبعد فترة لا ندري مداها على وجه التحقيق، هاجر المعينيون- مع قبائل أخرى- من العراق والتمسوا مقرًّا متحضرًا يقيمون فيه، فنزلوا اليمن في إقليم الجوف وشيدوا القصور والمحافد على مثال ما شاهدوه في بابل، ويقدم هذا النفر من الباحثين أدلة على زعمهم هذا، منها -فيما يرون- اشتراك المعينيين والآراميين في أسماء الأشخاص وأسماء المعبودات، ومنها الاشتراك في أسس المعتقدات وطرق العبادة.
على أن أرجح الآراء -فيما نعتقد ونميل إلى الأخذ به- أن المعينيين من جنوب شبه الجزيرة العربية، وأنهم لم يفدوا من الشمال كما زعم البعض، وإن كانوا قد حققوا سيطرة على الطرق التجارية بين جنوب بلاد العرب وشمالها، وقد كانت وقت ذاك وسيلة نقل الطيب والبخور، كما كانت تمتد في الشمال من غزة حتى مصر من ناحية، ومن غزة إلى الشام من ناحية أخرى، ومن ثم فقد أسسوا هناك مركزًا خاصًا بهم يبعد عن اليمن بحوالي 1000 كيلو متر، وتفصل بينه وبين اليمن بلاد عربية أخرى تقع على الطرق التجارية، ثم سرعان ما بدأ نفوذهم السياسي يتسرب نحو الشمال بالتدريج، حتى انتهى الأمر بسيطرتهم على شمال الحجاز، ممثلا في الحكومات المحلية في منطقة معان والعلا، وكما يقول "ألويس موسل" فإنه خلال الألف الأولى قبل الميلاد كان الجزء الأعظم من التجارة العالمية في بلاد العرب واقعًا في يد السبئيين والمعينيين الذين كانوا يسيطرون على الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، وكان السبئيون والمعينيون أبناء جنس واحد ولكنهم كانوا يتنافسون على السيادة، لا في بلادهم فحسب، بل في الواحات التي كانت تمر بها الطرق التجارية كذلك.
2- عصر دولة معين:
لقد دار- ولا يزال- جدل طويل حول عصر الدولة المعينية، والفرق بين السنوات التي يقدمها العلماء جد شاسع، حتى أننا نرى آراء تذهب إلى أنها إنما كانت بين الألف الثالثة والثانية ق. م، بينما تأخرت بها آراء أخرى إلى النصف الثاني من الألف الأولى ق. م، ذلك أن "إدوارد جلازر" يذهب إلى أن الأبجدية التي استعملها المعينيون في كتاباتهم إنما ترجع إلى الألف الثانية، وربما الثالثة ق. م، وهذا يعني أن تاريخ القوم إنما يرجع إلى ما قبل هذه الفترة.
ويتجه "فريتز هومل" إلى أن دولة معين قد بدأت فيما بين عامي 1500، 1200ق. م، وانتهت حوالي عام 700ق. م، بل نراه يحدد حوالي عام 1300ق. م، كبداية لظهور معين على مسرح التاريخ، وأما الحضارة والكتابة المعينية فيجب أن تكون أقدم من هذا التاريخ، وربما ترجع إلى منتصف الألف الثانية ق. م، ومن ثم فهو يرى أن دولة معين كانت سابقة لدولة سبأ، معتمدًا في ذلك على أن "جلازر" قد عثر على نقوش سبئية قديمة "جلازر 418، 419، 1000"، وفيها نقرأ عن سقوط الدولة المعينية على يد أحد حكام سبأ، وأن النقش الكبير، والمعروف بنقش صرواح، يدلنا على أن العصر الذهبي لدولة معين، إنما كان قبل ارتفاع شأن السبئيين.
هذا وقد حدد "فلبي" لدولة معين الفترة "1120-630ق. م"، بينما ذهب فريق آخر من العلماء "ومنهم هاليفي وموللر وموردتمان وماير وسبرنجر وليدر بارسكي" إلى أن ظهور دولة معين لا يمكن أن يتجاوز الألف الأولى قبل الميلاد، ولعل "ملاكر" يرى نفس الرأي، وإن كان أكثر تحديدًا في تأريخه، إذ جعل قيام دولة معين في عام 725ق. م، ونهايتها في القرن الثالث ق. م، ولعل قريبًا من هذا ما ذهب إليه "أوليري" من أن كتابات المسند جميعها -سواء أكانت معينية أو سبئية- لا ترجع في تأريخها إلى أقدم من عام 700ق. م، وربما إلى القرن الثامن ق. م.
ويذهب "وينت" إلى اعتبار سبأ وديدان أقدم الدول العربية، معتمدًا في ذلك على ما ورد في التوراة من قدم سبأ، ومن ثم فإنه يرى أن قيام دولة معين لا يمكن أن يتجاوز عام 500ق. م، وأن نهايتها إنما كانت فيما بين عامي 24ق. م، 50م، وأما "موسكاتي" فالرأي عنده أن الحفائر الحديثة وتطبيق "العملية الراديوكربونية" "Radiocarbon Precess" تشير إلى تعاصر دولتي سبأ ومعين، وأن قيام دولة معين إنما كان حوالي عام 400ق. م، وأما "وليم أولبرايت" فقد حدد نفس العام "400ق. م" كبداية لدولة معين، كما جعل نهايتها فيما بين عامي 50، 25ق. م، ثم عاد بعد ذلك فعدل تواريخه، فجعل عام 350ق. م، كبداية لقيام الدولة، وأما النهاية ففي الفترة ما بين عامي 100، 50ق. م، وأخيرًا فهناك من جعل نهاية دولة معين في حوالي عام 100م.
وهكذا يبدو واضحًا مدى الخلاف بين العلماء على وقت قيام دولة معين ونهايتها، وكيف أن الفرق بين التقديرات المختلفة جد شاسع، وهنا لعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا التفاوت الزمني يؤثر تأثيرًا كبيرًا في معرفتنا للدول العربية الأخرى، وذلك لأن قيام كل دولة عربية جنوبية مرتبط بالأخرى، بخاصة إذا ما سلمنا بأن الدولة السبئية قامت على أنقاض الدولة المعينية، ومن ثم فإن ظهور سبأ على مسرح التاريخ العربي، يجب أن يكون في رأي هؤلاء العلماء معاصر لفترة الاضمحلال التي مرت بها دولة معين.
أضف إلى ذلك كله، أن الذين انتهوا بالدولة في فترة مبكرة، ترجع إلى ما قبل الميلاد بعدة قرون، أو حتى الذين وصلوا بها إلى ما قبل الميلاد بقرن من الزمان، قد يزيد وينقص قليلا، تجاهلوا أن الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان -ومنهم سترابو وبليني وديودور الصقلي -قد أشاروا إلى المعينيين وتجارتهم، بل إن بطليموس "138-165م" والذي أخرج كتابه "الجغرافية" حوالي عام 150م، قد وصفهم بأنهم "شعب عظيم"، فضلا عن أن الكتابات المعينية في الجيزة، إنما تشير إلى اشتغالهم بتجارة الطيب والبخور في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، ولعل هذا كله هو الذي دفع "أوليري" إلى القول بأن المعينيين كانوا نشيطين إلى ما بعد الميلاد، وربما كانت نهاية دولتهم على أيام البطالمة أو الرومان، إلا أن تحقيق ذلك -على ضوء معلوماتنا الحالية- أمر لا نستطيع أن نقول فيه كلمة نزعم أنها القول الفصل، أو أنها أقرب إلى الصواب من غيرها.
وأما بداية دولة معين، فلعلنا إن اعتمدنا على التوراة، لكان رأي الذين يرجعون بها إلى الألف الثانية ق. م، صحيحًا إلى حد كبير، ذلك أن سفر القضاة يحدثنا أن الصيدونيين والعمالقة والمعونيين كانوا يضايقون بني إسرائيل، وإذا كان خروج بني إسرائيل من مصر -كما رجحنا في كتابنا إسرائل - قد تم على أيام "مرنبتاح" "1224-1214ق. م"، فإن عصر القضاة سوف يكون في الربع الأخير من الألف الثانية ق. م، وإذا كان المقصود بالمعونيين هنا، الجالية المعونية في شمال غرب الجزيرة العربية، فإن دولة معين لابد وأن تكون قد قامت قبل هذه الفترة، وربما في النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد.
ونقر أن في سفر أخبار الأيام الثاني، إشارات عن حرب دارت رحاها بين "يهوشافط"، من ناحية، وبين بني مؤاب وبني معون والمعونيين من ناحية أخرى، وهذا يعني أن المعونيين كان لهم وجود على أيام الملك اليهودي "يهوشافط" "873-849ق. م"- أي في القرن التاسع قبل الميلاد- ووفقا لما جاء في سفر أخبار الأيام الثاني "26: "، فإن الملك "عزيا" "77-740ق. م" قد حطم العرب الذين كانوا يسكنون في "حوربعل"، كما حطم أهل معون، ويفهم من نصوص التوراة هذه أن هؤلاء العرب كانوا يسكنون في الإقليم الواقع في الجنوب والجنوب الشرقي من البحر الميت -أي في نفس الإقليم الذي تقع فيه واحة معان، ومعنى هذا -مرة أخرى- أن المعينيين كانوا أصحاب مستعمرات في شمال بلاد العرب في القرن الثامن قبل الميلاد، ولعل هذا كله إنما يعضد فكرة البداية المبكرة لقيام دولة معين في حوالي الألف الثانية قبل الميلاد، إلا إذا كانت "معون" التوراة، لا صلة لها بمعين بلاد العرب، وهو أمر لا يوافق عليه الكثير من الباحثين.
3- ملوك معين:
لقد توصل العلماء -عن طريق الرحالة والبعثات العلمية- إلى أسماء عدد من حكام معين، إلا أن الأمر لا يزال موضع خلاف، فيما يتصل بحكم هؤلاء الملوك، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى:
"أولًا" عدم الاتفاق بين العلماء على فترة حكم دولة معين، وكذا على وقت سقوطها.
 "ثانيًا" أن الكتابات المعينية نفسها غير مؤرخة طبقًا لأي تقويم من التقاويم، فضلا عن أنها لم تقدم لنا الفترة الزمنية التي استغرقها حكم هؤلاء الملوك -كأفراد أو جماعات.
"ثالثًا" أنها في جوهرها كتابات شخصية، أكثر منها سياسية، ومن هنا بات من الصعب على العلماء أن يتفقوا على قوائم ثابتة وصحيحة لملوك معين، أو لمدد حكمهم.
وقد رتب "هومل" ملوك معين في ثلاث أسرات، تتكون الواحدة منها من أربعة ملوك، ثم أسرة رابعة من ملكين، بينما رتبهم "كليمات هوارت" في سبع طبقات، مجموعها 22 ملكًا، تتكون الأولى من أربعة ملوك، والثانية من خمسة، والثالثة من أربعة، والرابعة من اثنين، والخامسة من ثلاثة، بينما تتكون السادسة والسابعة من ملكين، هذا وقد قدم لنا كذلك كل من "موللر" و"أوتووبير" و"موردتمان" و"ريكمانز" قوائم بملوك معين.
وأما "جون فلبي" فقد رتبهم في خمس أسرات، تفصل الواحدة عن الأخرى فترة مظلمة لا نعرف عنها شيئًا، كما أن فترة حكم كل أسرة تقوم على الفرض والتخمين، لا على الحقيقة والواقع، فهو مثلا يقدر أن فترة حكم الملك لا تتجاوز العشرين عامًا، وأن فترة الانتقال بين الأسرة والأخرى تبلغ أيضًا عشرين عامًا، ويضع "فلبي" على رأس الأسرة الأولى "إل يفع وقه"، متخذًا من عام 1120ق. م، بداية لحكمه، بينما يجعل" "تبع كرب" "650-630ق. م" الملك الأخير من الأسرة الخامسة.
وفي عام 1950م، قد لنا "وليم أولبرايت" قائمة تتكون من سبعة عشر ملكًا، ثم ذكر أن هناك ما لا يقل عن خمسة ملوك لا يعرف فترة حكمهم، وفي عام 1953م، أعاد "أولبرايت" دراسة القوائم ثم قدمها لنا في ثلاث مجموعات، تتكون الأولى من "12 ملكًا"، والثانية من "6 ملوك"، والثالثة من "3 ملوك".
ولعل من أهم الأحداث التي روتها النقوش ما كان في عهد الملك "أب يدع يثع" عن حرب وقعت بين الجنوب والشمال، ذلك أن نقوش "جلازر 1115، هاليفي 535، 578" إنما تتحدث عن حرب وقعت بين "ذيمنت" و"ذشامت" وكذا عن حرب أخرى وقعت بين "مذي" و"مصر" في وسط مصر، وأن المقصود من الكتابة إنما هو شكر لآلهة معين "عثتر، ود، نكرح" على نجاة القافلة المعينية من أضرار الحرب الأولى والثانية، ووصولها إلى "قرناو".
ويبدو أن القوافل بما تحمله من أموال، كانت كثيرًا ما تتعرض لهجوم من القبائل ومن العشائر، فضلا عن قطاع الطرق، وهي وإن أمنت على نفسها بحماية من الحكومة، وباتفاق مع سادات القبائل نظير مبلغ من المال، فهي لا تأمن على نفسها من القبائل المعادية، ومن ثم فلا غرابة إن نذر أصحاب القوافل لآلهتهم عند عودتهم سالمين من تجارتهم، أو عادت قوافلهم سالمة.
وأما عن الحرب التي استعر أوارها بين الشمال والجنوب، فالرأي عند "هوجو فنكلر" أنها كانت بين حكومة معين وحكومة عربية أخرى، هي حكومة "أريبي"، والتي كان نفوذها يمتد حتى دمشق، على أن الكتابة نفسها، إنما حددت موضع الهجوم على القافلة بين معين "أو مادان" وبين رجمت
وقد قام جدل طويل بين العلماء فيما يختص بالحرب التي دقت طبولها بين "مذي" ومصر، وكان أشد الجدل يدور حول المقصود بمذي هذه، وحول تاريخ هذه الحرب، فذهب فريق إلى أنهم "الماذيون" أي الماديون "الميديون"، والميديون -كما نعرف- قبائل إيرانية كانت منتشرة في منطقة تمتد من جبال "دوماوند" حتى مدينة "همدان"، ثم استطاعوا تحت قيادة "كياكسارس" السيطرة على فارس، واتخاذ مدينة "أكباتانا "ومكانها الآن مدينة همدان" عاصمة لهم، بل والتعاون مع البابليين في القضاء على آشور، واحتلال "نينوى" في عام 612ق. م، ثم الاستيلاء على الجزء الشمالي من الإمبراطورية الآشورية. إلا أن الأمور سرعان ما بدأت تتغير في هضبة إيران، عندما تولى العرش الفارسي "كيروش الثاني" في عام 559ق. م، والذي كتب له نجحا بعيد المدى في القضاء على الميديين، وفي أن يصبح سيد المنطقة كلها، إلا أن تاريخ الميديين لم يحدثنا عن حروب وقعت بينهم وبين مصر، سواء أكان المقصود بها "مصر" "كنانة الله في أرضه"، أو تلك الولاية "مصرو" في شمال بلاد العرب، والأمر كذلك بالنسبة إلى تاريخ مصر على أيام الفراعين.
هذا ويرى "جون فلبي" أن "مذي" إنما هم المديانيون، وأن الحرب التي وقعت إنما كانت بين المديانيين -والذين كانت أرضهم تمتد من خليج العقبة إلى مؤاب إلى سيناء -وبين "معين موصرو، وأما "هومل" فالرأي عنده أن "مذي" إنما هم جماعة من بدو سيناء، ويذهب "ملاكر" إلى أن الحرب بين مذي ومصر، إنما هي إشارة إلى الحرب التي كانت بين المصريين والفرس، والتي انتهت باستيلاء "قمبيز" على مصر في عام 525ق. م6، على أن "وينت" -وربما ألبرايت كذلك- إنما يتجهان إلى أنها لا تشير إلى فتح مصر، وإنما إلى استعادتها مرة ثانية على يد "ارتكزر كسيس الثالث" "أخوس" في عام 343ق. م، ولعل هذا هو السبب في أن بعض المراجع إنما تضع حكم "أب يدع يثع" في حوالي عام 343ق. م.
وأما "جاكين بيرين" فالرأي عندها أن مذي إنما تعني السلوقيين بصفة عامة، وأن مصر إنما تعني البطالمة وأن هذه الحرب قد وقعت فيما بين عامي 210، 205ق. م وربما تشير إلى الاستيلاء على غزة في حوالي عام 217ق. م، وإلى المعركة التالية عند "رفع "Rapheia".
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المعينيين، رغم أنهم شعب عربي جنوبي وأن دولتهم قد قامت في بلاد العرب الجنوبية، إلا أنهم قد انتشروا في شمال بلاد العرب، بل إن هناك من يذهب إلى أن نفوذهم قد امتد حتى الخليج العربي شرقًا وغزة غربًا، كما أن علاقاتهم التجارية قد امتدت إلى سورية وإلى بلاد اليونان ومصر، بدليل العثور على كتابات معينية في جزيرة "ديلوس"، إحدى جزر اليونان، فضلا عن العثور على كتابات معينية أخرى في الجيزة، وعند قصر البنات -عند منتصف وادي الحمامات- وفي منطقة "إدفو" "بمحافظة أسوان"، وترجع بعض هذه الكتابات إلى أيام قمبيز "525-522ق. م"، وبعضها الآخر إلى أيام البطالمة.
بل لقد حددها بعض الباحثين بعام 264/ 263ق. م، فإذا ما تذكرنا صلات مصر القوية بفلسطين في العصور الفرعونية، وتذكرنا في الوقت نفسه أن دولة معين إنما كانت تحكم في فترة ازدهارها، ما يقال له الآن الحجاز وحتى فلسطين، وأن معين كانت دولة تجارية أكثر منها عسكرية، لتبين لنا أن العلاقات بين مصر ومعين -وبخاصة في الأمور التجارية- إنما كانت أمرًا طبيعيًّا.
على أن أهم المراكز المعينية خارج اليمن، ما كان في الشمال الغربي لبلاد العرب، حيث تقع واحة ديدان "العلا"، وفي واحة معون -وهي معان الحالية- ويرى بعض الباحثين أن منطقة ديدان وما صاقبها من أراض إنما كانت بمثابة جزء من دولة معين، التي كان ملوكها يقومون بتعيين ولاة من قبلهم لإدارة هذه المنطقة يطلقون على الواحد منهم لقب "كبر" أي "كبير"، ويعهدون إليه بإدارة شئون المنطقة والمحافظة على الأمن فيها، ثم جمع الضرائب وإرسالها إلى "قرناو".
وكان بجانب هؤلاء الولاة، حامية عسكرية وجالية تتألف من الأوساط التجارية في تلك الواحات، وكانت هذه البقاع موردًا للكسب بالنسبة لأهل الواحات الأصليين، وللقبائل التي كانت تقيم في مجاوراتها، فكانت القبائل الشمالية تقدم لهذه الجاليات ما تحتاج إليه من القوت والثياب، وكان لهم -من أجل ذلك- نوع من السيطرة والسيادة.
وقد أدى ذلك إلى نتائج هامة، منها:
"أولًا" احتكاك الحكام المعينيين بحكام سورية وأشور عن طريق التجارة الرئيسي، ومن ثم فلم يعن الأخيرون بتفهم النظم السياسية المختلفة للواحات المتفرقة التي تقع على طول هذا الطريق، ولم يهتموا بالمفاوضات مع الملوك المحليين للإقليم وأشرافه، وإنما اتجهوا إلى ذلك المقيم الجنوبي الذي كان معروفًا لديهم بإشرافه على الإقليم، وكانوا يخلطون بينه وبين الملك الجنوبي -الذي كان هذا المقيم يعمل في خدمته- فذكروا اسمه، كما لو كان هو الملك الجنوبي، وهذا يفسر لنا الإشارات التي ترد في الوثائق السريانية والعبرية عن المعينيين والسبئيين، وتذكرهم كما لو كانوا يقيمون في الجنوب الشرقي للبحر الميت.
"ثانيًا" أن دولة معين إنما كانت -كما أشرنا آنفًا- تحكم كل ما يقال له الحجاز الآن إلى فلسطين، فلما ضعف المعينيون أصبحت سيادتهم مقصورة على ما يسمى "معين مصرو"، التي ما لبثت أن أصبحت بعد فترة تحت سلطان السبئيين، حين كتب لهؤلاء السيادة على الجنوب والشمال معا، وأخيرًا أصبح زمام الأمور بيد "اللحيانيين" الذين كانوا دولة مستقلة هي دولة "لحيان"، والتي امتد نفوذها في أيام ازدهارها -فيما يرى البعض- على الأرض الممتدة غربي النفود، من شمال يثرب إلى ما يحاذي خليج العقبة، والذي أطلق عليه "أجاثر خيدس"، في القرن الثاني ق. م، اسم خليج لحيان، ثم حرف فيما بعد إلى "لات" "إيلات".
وقد قام جدل طويل بين العلماء -ولا سيما المتخصصين منهم في الدراسات التوراتية- حول "معين موصرو" هذه، فذهب فريق منهم إلى أن كلمة "مصرايم" التي جاءت في التوراة، لا تدل على "مصر"، وإنما على الإقليم الواقع شمال بلاد العرب، والذي يمتد غربًا حتى حدود مصر الشرقية، ولهذا فإن ما يقال عن إقامة العبرانيين في مصر، إنما يعني إقامتهم في جنوب فلسطين، أو في شبه جزيرة سيناء وطبقًا لهذا الاتجاه، فإن خروج بني إسرائيل لم يحدث من مصر، وإنما من هذه المناطق المشار إليها، ذلك لأن الباحث اليهودي "هوجو فنكلر" إنما يرى أن اسم "مصرايم" لم يكن استعماله في البداية مقصورًا على الإشارة إلى مصر، ولكنه كان يشمل كذلك الإقليم الذي سماه الجغرافيون البابليون "مصر أو موصري"، والذي يقع جنوب البحر الميت، شمال شبه جزيرة العرب، ويمتد غربًا حتى حدود مصر الشرقية، ويضم جبل سعير ومدينة البتراء وأراضي مدين وأدوم.
ويعتقد "فنكلر" أن التقاليد اليهودية الأصلية، عندما تحدثت عن إقامة الآباء الأولين -وخاصة موسى- في مصرايم، إنما كانت تشير إلى ذلك الزمن حيث عاش أسلاف العبرانيين في صحراء جنوب فلسطين، ثم بدأ سكان كنعان يستخدمون اصطلاح "مصرايم" على المراعي الجنوبية -وكذا على مصر نفسها- ذلك البلد الذي يقع بالنسبة إليهم فيما وراء الصحراء، ولعل مما يفسر هذا الافتراض أن الوادي القريب من "غزة" سمي "نهر مصرايم"، على الرغم من أنه على مسيرة ثلاثة أيام من الحدود المصرية، ومن هنا فمن الممكن أن يشير اسم "مصرايم" في بعض النصوص والتقاليد العبرية، إلى الصحراء المصرية، وليس إلى اسم مصر بالذات.
وقد ناقشنا ذلك الأمر في كتابنا "إسرائيل"، وخرجنا من المناقشة بأن الأدلة العملية، والتقاليد الإسرائيلية، وما ورد في التوراة من وصف لجو مصر وأحوالها، وأثر الأدب المصري في كتب الإسرائيليين، والنصوص التوراتية الصريحة التي تتحدث عن دخول الإسرائيليين مصر، بل وذكر أسماء الداخلين منهم أرض الكنانة، كل ذلك وغيره مما يؤكد أن المقصود هنا أرض الكنانة، هذا فضلا عن أن ذلك أمر أجمعت عليه الكتب المقدسة الثلاثة "التوراة والإنجيل والقرآن العظيم"، وإنكارنا لأمر تجمع عليه الكتب المقدسة، لا يتفق ومنهج البحث العلمي، فضلا عن تعارضه مع إيماننا بما جاء في كتب السماء.
وانطلاقًا من هذا، وترتيبًا عليه، فإن "مصر" التي جاءت في قصة الإسرائيليين، ليست هي "موصرى" الواقعة في شمال غربي بلاد العرب، وإنما هي "مصر"، كنانة الله في أرضه، ومن ثم فإن ما جاء في نص "تجلات بلاسر الثالث" 745-727ق. م" من أنه قد عين "أدبئيل" حاكمًا على "موصري" فإنما يعني هذه المقاطعة العربية، والتي تقع إلى الشمال من "نخل موصرى" أي "وادي موصرى".
وهناك من يرى أن "معين موصرى" لم تكن تابعة لحكومة معين الجنوبية، وإنما كانت منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وحتى القرن الأول قبل الميلاد، مستعمرة معينية مستقلة، وأن لقب "كبير" الوارد في نصوصها لا يعني بالضرورة أن يكون حامله تابعًا لحكومة معين الجنوبية، وإنما هو لقب كان يحمله في "معين موصرى" سيد القوم وحاكمهم، على أن أصحاب هذا الرأي إنما يربطون زوال هذه المستعمرة بزوال الدولة المعينية في الجنوب، وربما كان ذلك في الوقت نفسه دليلا على أن المستعمرة الشمالية، إنما هي ولاية تخضع للحكومة الجنوبية في معين.
4- أهم المدن المعينية:
بقيت نقطة أخيرة تتصل بالمدن المعينية، والتي أهمها دون شك "قرناو" العاصمة -وتقع على مبعدة سبعة كيلو مترات ونصف إلى الشرق من قرية الحزم، مركز الحكومة الحالي في الجوف -وقد عرفت "قرناو" كذلك، كما عرفها الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان باسم Carna Karnna Katna، وأما الأخباريون، فإن معين -في رأيهم- إنما هي من أبنية "التبابعة"، وأنها حصن بني في نفس الوقت مع "براقش" وبعد "سلحين" الذي بني -فيما يزعمون- في ثمانين عامًا.
وأما أهم آثار قرناو فمعبد "رصاف" الذي يقع خارج أسوار المدينة، فضلا عن آثار سكنى في مواضع متفرقة من المدينة، التي يرى البعض أنها ظلت مأهولة بالسكان حتى القرن الثاني عشر الميلادي، ثم بدأت الظروف تتغير، فأخذ سكان المدينة يتناقصون شيئًا فشيئًا حتى تحولت آخر الأمر إلى خرائب.
وهناك كذلك المركز الهام "ياثل" "براقش"، والتي بقيت حتى أيام الهمداني "334هـ=945م" فوصف آثارها وخرائبها، وهي نفسها مدينة "Athiuia=Athruia"- آخر موضع وصلته حملة إليوس جالليوس الروماني على اليمن في عام 24ق. م- وأما سبب التحريف في اسمها، فهو صعوبة لفظية، فيما يرى البعض، ولعل اسم المدينة "ياثل" قد أصبح في العربية الفصحى "وثلة"، فقد ذكرها "الفيروزآبادي" في القاموس اسما لقرية، وقال من ناحية أخرى "وذو وثلة قيل" يعني من أقيال اليمن.
و"براقش" عند الإخباريين مدينة قديمة جدًّا، كان يسكنها عند ظهور الإسلام "بنو الأوبر من بلحارث بن كعب ومراد"، وأما سبب تسميتها ببراقش فموضع خلاف عندهم، فرواية تذهب إلى أنها سميت كذلك نسبة إلى "كلبة" عرفت ببراقش، بينما تجعلها رواية أخرى "امرأة" أسند إليها والدها تصريف أمور الدولة في أثناء غيابه في واحدة من غزواته، فما كان منها إلا أن اهتبلت الفرصة، فبنت مدينتي براقش ومعين تخليدًا لذكراها، إلا أن ذلك قد أغضب والدها الملك، ومن ثم فقد أمر بهدم المدينة، وذهبت رواية ثالثة إلى أنها نسبة إلى براقش امرأة لقمان بن عاد، وهكذا يحاول المؤرخون المسلمون تفسير الأمور ببساطة تدعو إلى العجب، إلا أنه مما لا شك فيه أن المثل المشهور "على نفسها جنت براقش" كان سببًا في هذه التفسيرات المتضاربة.
وهناك كذلك مدينة "نشق" "البيضاء" التي استولى عليها السبئيون في أيام "يدع أل بين" مكرب سبأ، وهي نفسها -فيما يرى البعض- "Mesca=Mescus" التي ذكرها الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان، وهي " Aska"عند سترابو- وقد استولى عليها "إليوس جالليوس" إبان حملته على اليمن.
وهناك كذلك "نشان"، "نشن" -وهي الخربة السوداء الحالية- وقد اكتشف هناك ما يشير إلى أن المدينة كانت مركزًا صناعيًّا مهمًّا، وهناك كذلك موضع "لوق" وهو -فيما يرى جلازر "Labecia" الذي ذكره بليني "32-79م" من بين الأماكن التي استولى عليها "إليوس جالليوس"، بينما هو "لبه" "Labbah" فيما يرى "فون فيسمان".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق