الاثنين، 17 أغسطس 2015

الحضارة الإسلامية: Islamic civilisation

الحضارة الإسلامية: Islamic civilisation
إعتمدت الحضارة الإسلامية علي شعوب البلاد المفتوحة وكانت هذه الشعوب عريقة في حضاراتها كالساسانية بالعراق وفارس والحضارة البيزنطية ذات الأصول الإغريقية الشعوب المطلة على حوض البحر المتوسط  وكانت أهم مراكز الثقافة الإغريقية الرومانية الإسكندرية وحران والرها ونصيبين وإنطاكيا وكان العرب تراثهم العريق القديم في حضارات معين وسبأ وحمير في بلاد اليمن لكنهم وجدوا في البلاد التي فتحوها حضارات متطورة كالإدارات الحكومية ونظم اقتصادية في الزراعة وأعمال الري والصناعة، وكانوا علي بينة بالعلوم العقلية والتجريبية كالرياضيات والفلك والفيزياء معظم العلوم السابقة وخاصة علوم الإغريق كانت قد اندثرت وضاعت معالمها فكانت بعض كتب العلم الإغريقية مدفونة مع العلماء في مقابرهم وذلك لأن الدولة الرومانية لم يكن لديها اهتمام بالعلم ومن هنا كان فضل المسلمين في إحياء تلك العلوم الميتة وكان الخلفاء والقواد بلادلون أسري الروم بالكتب الإغريقية أو رفع الجزية عنهم في مقابل الكتب وكان الروم فرحين بهذه الصفقات التي لن تكلفهم ولاسيما وأن هذه الكتب لم تكن ذات قيمة في نظرهم فكانوا يحرقونها علانية بحجة أنها تدعو للهرطقة والكفر وكان الخلفاء من شدة ولعهم بالعلم ولاسيما المأمون العباسي , كانوا عند عقد العهود والمواثيق وشروط الصلح أن يسمح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية أو كتاب معين ورد ذكره في مخطوط فكانوا يبحثون عنها في مقابر مؤلفيها وكان المأمون من خلال حركة الترجمة الموسعة يجزل العطاء للمترجمين في دار الترجمة ببيت الحكمة ببغداد وكان المخطوط المترجم للعربية يأخذ مترجمه مثقاله ذهبا وانكب المسلمون على تلك المخطوطات ليدرسوها ويغربلوها من الشوائب والخرافات والعقائد الخرافية والسحر والشطط والكفر فأثبت هلماء المسلمين ما هوالخطأ والباطل قيها من خلال العلم التجريبي ومفهوم التجربة للبرهان والمشاهدة التي هي سيد الأدلة ففي الخلافة العباسية ظهرت أجيال من شوامخ العلماء ز وقد قاموا بالإختراعات والإستكشافات والتطوير والتوليف كما وضعوا الموسوعات وكان الحكام المسلمون المساتيرون يفرغون العلماء والباحثين وينفقون عليهم الرواتب والدولة العباسية باعتمادها على هذه الشعوب، عملت إحياء النهضة العلميةوتبنيها وتذكر مراجع التاريخ الأجنبية بكثير من الدهشة شغف قادة الفتوح الإسلامية بالكتب         إلى حد مبادلة أسرى الرومان بالكتب الإغريقية أو رفع الجزية مقابل هدية من الكتب وكان الرومان سعداء بهذه المبادلات ويعتبرون أنفسهم الرابحين لأن تلك الكتب لم تكن في نظرهم ذات قيمة وكثيراً ما كانوا يحرقونها علناً بحجة أنها تدعو إلى الهرطقة والكفر وكثيراً ما كان الخليفة يضع بين بنود الصلح مع إمبراطور الرومان شرطاً بالسماح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية وكانوا يطلبون من البيزنطيين البحث عن كتاب معين جاء ذكره في المخطوطات ويسألونهم البحث عنه في مقبرة صاحبهومع هذا الفيض من الكتب أنشأ المأمون داراً خاصة بالترجمة وكان المترجمون يؤجرون بسخاء وقد يعطى المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهباً ومن هنا كان الرومان يطلقون على المسلمين "المتوحشون العلماء" وذلك لأن شغفهم بالعلم لم يكن أقل شدة من بأسهم في القتال فقام علماء المسلمين بنقل هذه العلوم والتراث القديم وترجموه فلما استوعبوه ما أخذوا ينتجون ويبدعون ويضيفون، حتى قدموا للعالم ما عرف بالحضارة العربية الإسلاميةالتي أخذت تحتل مكانتها بين الحضارات الكبرى التي ظهرت في تاريخ البشرية فكانت أطول الحضارات العالمية عمراً، وأعظمها أثراً في الحضارة العالمية فعربت ألفاظا يونانية وفارسية وهندية كثيرة  وترجمت عن اليونانية "حكم سقراط وأفلاطون وأرسطو، وظهرت كتب الأدب وفي خلافة أبي جعفر المنصور ترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي  (ت 17 م)، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم "المجسطي " واسم هذا الكتاب في اليونانية" الأعظم في الحساب" والكتاب دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، سد هانتا " المعرفة والعلم والمذهـب " وقد ظهرت الترجمة العربية في عهد أبي جعفر المنصور بعنوان "السند هند"  ومع كتاب "السند هند" دخل علم الحساب الهندي بأرقامه المعروفة في العربية بالأرقام الهندية فقد تطور على أثرها علم العدد عند العرب، وأضاف المسلمون نظام الصفرمما جعل الرياضيين العرب يحلون الكثير من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله لجميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي ورد في كتاب مفتاح الحساب للعالم الرياضى جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي(ت 840 هـ1436 م)، وكان هذا الكشف المقدمة الحقيقية للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر واستخرج إبراهيم الفزاري جدولاً حسابياً فلكياً يبين مواقع النجوم وحساب حركاتها وهو ما عرف بالزيج  ويعتبر إبراهيم الفزاري أول من صنع الاصطرلاب من المسلمين وعن الفارسية، ترجم عبد الله بن المقفع كتاب كليلة ودمنة الذي كان هندياً في هذا إلى جانب ترجمته لعدة كتب أخرى في تاريخ وأدب الفرس ونظمهم وتقاليدهم وكان الخليفة العباسي المأمون قد أوكل إلى سهل بن هارون، ترجمة الكتب الفارسية     فترجم كتاب (هزار افسانه) (أفسانه :خرافة بالفارسية ) أي (ألف خرافة ) وأطلق علي الكتاب الكتاب ألف ليلة وليلة وهو خبر الملك والوزير وابنته وجاريتيها وهما شيرازاد ودينازاد، وفي هذه القصص الخرافية ظهرت في بعضها أفكار الهنود حول الأرواح وتناسخها، وقد وضعت هذه القصص في قالب عربي إسلامي في العصر العباسي الأول ثم زيد فيها في العصر الفاطمي بحيث لم يتبق من التأثير الفارسي سوى بعض الأسماء الفارسية والشاهنامة للفردوس التي ترجمها نثرا الفتح بن علي البنداري سنة 697 هـ/1297 م، وظهرت لعبة الشطرنج الهندية الأصل والتي انتقلت عن طريق الفرس إلى المسلمين، وألفت فيها كتب بالعربية وصار لها انتشار كبير في عالم الإسلام وفي خلافة المهدي بن المنصور (158- 169 هـ) برز عالم الكيمياء جابر بن حيان الأزدي " الذي نسبت إليه كتابات كثيرة في الكيمياء سواء في المركبات الكيميائية التي لم تكن معروفة من قبل مثل نترات الفضة المتبلورة وحامض الأزوتيك(النتريك ) وحامض الكبريتيك (زيت الزاج) ولاحظ ترسيب أملاح كلوروز الفضة عند إضافة ملح الطعام ووصف العمليات الكيميائية كالتقطير والتبخير والترشيح والتبلور والتذويب والتصعيد والتكليس وفي خلافة هارون الرشيد (170 هـ/ 786،ـ 193هـ / 808 م) تأسس في بغداد بيت الحكمة للنقل(النسخ) والترجمة، وازدهر في عهد إبنه عبد الله المأمون (198 هـ/813 م- 218 هـ/833 م)، حيث ترجمت أمهات الكتب اليونانية القديمة، وأقيمت فيه المراصد، ورسمت فيه الرسوم (الخرائط) الجغرافية وأعمال المساحة وكان من علماء بيت الحكمة محمد بن موسى الخوارزمي (ت 232 هـ846 م) " الذي عهد إليه المأمون بوضع كتاب في علم الجبر، فوضع كتابه " المختصر في حساب الجبر" ، وهذا الكتاب هو الذي أدى إلى وضع لفظ الجبر وإعطائه مدلوله الحالي  قال ابن خلدون: "علم الجبر والمقابلة (أي المعادلة) من فروع علوم العدد، وهو صناعة يستخرج بها العدد المجهول من العدد المعلوم إذا كان بينهما صلة تقتضي ذلك فيقابل بعضها بعضاً، ويجبر ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحاً"   فالجبر علم عربي سماه العرب بلفظ من لغتهم، والخوارزمي هو الذي خلع عليه هذا الاسم الذي انتقل إلى اللغات الأوروبية بلفظه العربي وترجم هذا الكتاب للاتينية في سنة 1135 م وظل يدرس في جامعات أوروبا حتى القرن 16 م كما انتقلت الأرقام العربية إلى أوروبا عن طريق ترجمات كتب الخوارزمي الذي أطلق عليه في اللاتينية "الجورتمي " ثم عدل للجورزمو  للدلالة على نظام الأعداد وعلم الحساب والجبر وطريقة حل المسائل الحسابية وظهرت عبقرية "الخوارزمي " في " الزيج " أو الجدول الفلكي الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير" ،،وقد جامع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس (مصر )، فاستحسنه أهل زمانه ذلك وانتفعوا به مدة طويلة فذاعت شهرته وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب ورسم للمأمون خريطة كبيرة للعالم المعمور في عصرهز وفي الجغرافيا وضع كتاباً ً بعنوان "صورة الأرض " اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات وقد نشر هذا الكتاب وترجم إلى الألمانية سنة 1926 م وفي مجال الطب والعناية بالمرضى أنشأ العباسيون عدداً كبيراً من البيمارستانات (المستشفيات)، ومخازن الأدوية ببغداد كالبيمارستان الذي أنشأه الرشيد في الجانب الغربي من بغداد على يد الطبيب "جبرائيل بن بختيشوع "، والبيمارستان الصاعدي أيام المعتضد في الجانب، الشرقي من بغداد، والبيمارستان المقتدري الذي بناه المقتدر سنة 306 هـ 918م، وبيمارستان السيدة الذي أنشأته أمه في الأعظمية، وبيمارستان ابن الفرات الذي أنشأه وزيره أبو الحسن علي بن الفرات، والبيمارستان العضدي وفيها كان يعالج المرضى ويخضعون للملاحظة والتسجيل وكان الأطباء يستخدمون في مستشفياتهم الكاويات في الجراحة، و صب الماء البارد لمنع النزف أو معالجة الحميات، وعالجوا الأورام الأنفية وكانوا يخيطون الجروح، ويستأصلون اللوزتين ويمارسون جراحة الفتق وجراحة العيون، وشق أوراق الحلق، وقطع الأثداء السرطانية، وإخراج الحصاة من المثانة، ، وإخراج الجنين بالآلة، وإخراج العظام المكسورة وجبرها ، واستخدام المرقد (البنج) ( خليط من الأفيون والحشيش وست الحسن) كما فرقوا بين الحصبة والجدري وكانت الدولة تراقب الممارسات الطبية والأطباء، فكانوا يمتحنون الأطباء والصيادلة أيان المأمون والمعتصم، وأمر الخليفة المقتدر الطبيب الكبير سنان بن ثابت بن قرة سنة 316 هـ بمنع سائر المتطببين من التصرف وممارسة مهنتهم إلا بعد إجراء امتحان لهم، فامتحن يومئذ أكثر من ثمانمائة طبيب وكان كل من يقوم بممارسة مهنة الطب، يؤخذ عليه قسم الطبيب المسلم والذي كان يعتمد على المحافظة على سر المريض وعلاجه دون تمييز وأن يحفظ كرامة المهنة وأسرارها  وكان المحتسب هو الذي يأخذ عليه هذا القسم، لأن من عمله مراقبة هذه المهنة ونصه " برئت من قابض أنفس الحكماء، ورافع أوج السماء، فاطر الحركات العلوية، إن خبأت نصحا وبدأت ضرا، أو قدمت ما يقل عمله إذا ما عرفت ما يعظم نفعه، وعليك بحسن الخلق بحيث تسمع الناس واستفرغ لمن ألقى، إليك زمامه ما في وسعك فإن ضيعته، فأنت الضائع والله الشاهد على وعليك والسامع لما تقول، فمن نكث عهده فقد استهدف لقضائه، إلا أن يخرج من أرضه وسمائه " ومن مشاهير الأطباء الذين برزوا في العصر العباسي الأول نذكر الطبيب "جورجيوس (جرجس) ابن بختيشوع " الذي استدعاه الخليفة المنصور من "جنديسابور" (شرقي البصرة) لعلاج معدته التي كان يشكو منها وبعد معالجة قصيرة شفي على يديه، فجعله طبيبه وفي أيام المعتصم وولديه الواثق والمتوكل، برز الطبيب "يحيى بن ماسويه(ت 243 هـ) " الذي تنسب إليه مؤلفات طبية عديدة من أهمها( كتاب دغل العين) أي ما يضر العين ويؤذيها، وهو أول كتاب عربي في علم الرمد     ويؤثر عن هذا الطبيب أنه كان يدرس التشريح عن طريق تقطيع أجسام القردة، وكان الخليفة المعتصم يعتمد على مشورته، ولهذا كان يحتفظ ببنية قوية  ويعرف " ابن ماسويه " في الغرب باسم "ماسو الكبير"  كذلك نذكر الطبيب اللامع "حنين بن إسحاق (ت 260 هـ ) الذي عرف عند علماء الغرب باسم يوهانيتس درس الطب على أستاذه "يحيى بن ماسويه" ثم واصل دراسته في بلاد الروم والإسكندرية وفارس، والف كتباً كثيرة أهمها كتاب في الرمد باسم "العشر مقالات في الـعين "، وكتاب " السموم والترياق "، وكتاب في أوجاع المعدة، وكتاب في الحميات، وكتاب في الفم والأسنان وهذا الكتاب الأخير أعجب به الخليفة الواثق لأنه يصف الفم والأسنان وصفاً دقيقا وقد نقل المسعودى في كتابه "مروج الذهب (ج 4 ص 80- 81) " قسماً منه، ذكر فيه أن عدد الأسنان في الفم اثنتان وثلاثون سناً، منها في اللحى (الفك) الأعلى " ستة عشر سناً، وفي اللحى الأسفل كذلك ففي الطب اخترع المسلمون التخدير لأول مرة وسموه (المرقد) واكتشفوا الدورة الدموية واخترعوا خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات واكتشفوا الكثير من الأمراض كمرض الحساسية ومرض الحصبة والأمراض النفسية والعصبية وفي علم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها وقد قفز المسلمون بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة (نزع السهام ) عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة والجراحة التجميلية وفي علم الفلك كانوا سباقين إلي إثبات كروية الأرض واكتشاف دورانها واكتشاف الكثير من الحقائق حول طبيعة الشمس والقمر مما ساعد في هبوط الإنسان على سطح القمر واكتشفوا الكثير من النجوم والمجرات السماوية وسموها بأسمائها العربية التي مازالت تسمي بها وقد ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية مثل علم (الكيمياء) وعلم الجبر وعلم المثلثات وفي ظلال هذه الحضارة الإسلامية أصبحت اللغة العربية اللغة العلمية الأولي في العالم وكان علماء الإسلام يجمعون بين العلوم الفقهية والعلوم الطبيعية، فالكندي( ت 260 هـ/873 م ) كان يجمع بين الفلسفة والمنطق والحساب والفلك والهندسة والسياسة والطب والفقه وأصول العقيدة، وابن سينا( ت 428 هـ 1036 م ) كان يجمع بين الطب والفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية والموسيقى والفلك والحدود والشعر واثبات التنبؤات والقدر، ومثلهما الفارابي والرازي وعمر الخيام وابن النفيس وعبد اللطيف البغدادي وابن رشد وابن الطفيل والسمعاني لقد عرض هؤلاء العلماء لكبريات المشكلات المنطقية فعالجوها بأصالة المنهج في الملاحظة والتشخيص والكشف عن الأسباب والعلامات، فإن الشيء لا يعلم العلم اليقين إلا من جهة أسباب، ولذلك كان علم الأسباب واجباً حتي لا يقع العلماء المسلمون فريسة التفريق بين الإلهام الإلهي والنظر الاستنباطي، فجعلوهما يلتقيان على نحو من التكامل، فغاية العلوم الفقهية، تعليم الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورسم نهج الحياة، وغرض العلوم الطبيعية، الوقوف على الحقيقة والتوجه إلى الخير والتحويل عن الشر، فالدرس والتفحص مقرون بالقياس واستخراج الحكمة هي السبل الصحيحة للوصول إلى الحقيقة العلمية    وهذا ما جعلهم يربطون بين ما تلقوه من تعاليم القرآن وتصوراتهم وآرائهم الفلسفية والعلمية بتوازن تام ونسق منهجي وأعظم نشاط فكري قام به العلماء المسلمون كان في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم واشتهرت بغداد ً بالعلوم النقلية (الشرعية) التي تتصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية مثل التفسير والقراءات والحديث والفقه واللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا وقد حرص خلفاء بني العباس علي الاهتمام بهذه العلوم الإسلامية وتشجيع العلماء فيها ولا سيما علماء أهل الحجاز الذين كانوا على دراية واختصاص بعلوم القرآن والحديث والسنة أما دراسات العلوم اللغوية والنحوية، فقد شهدت العراق فيها ثورة واسعة ضخمة على أيدي علماء البصرة والكوفة الذين حققوا إنجازات وابتكارات علمية في هذا المجال للحفاظ على كلام العرب وتقويم اللسان العربي، بعد أن فشا اللحن في كلام المسلمين، نتيجة لاختلاطهم بالأعاجم في البلاد المفتوحة لهذا قام هؤلاء العلماء بجمع وتدوين ألفاظ اللغة العربية وأشعارها من منابعها الصافية في نجد بقلب الجزيرة العربية كذلك وضعوا قواعد نحوية للغة العربية، وابتكروا النقط والشكل على الحروف لمعرفة نطق الكلمات نطقاً سليماً، ولا سيما القرآن الكريم، حتى لا يتعرض للتحريف هذا إلى جانب تصنيف المعاجم اللغوية، ووضع علم العروض لمعرفة أوزان الشعر وأحكامه وبحوره  ومن أشهر الرواد الذين حققوا هذه الابتكارات العلمية مع بداية العصر العباسي العالم البصري العربي، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ/ا 79 م) "، وتلميذه وشيخ البصريين بعده العالم الفارسي "أبو بشر عمرو بن عثمان الملقب بسييويه (ت 177 هـ/793 م) أما الأدب، فقد تطور في العصر العباسي تطوراً كبيراً، ونهج الشعراء فيـه مناهج جديدة في المعاني والموضوعات والأساليب والأخيلة، وغير ها من فنون الشعر المختلفة التي تناسب ما انتشر في العصر العباسي من حضارة وترف ولا سيما في رصافة بغداد أو بغداد الشرقية ومن أشهر هؤلاء الشعراء،، أبو نواس " الذي ذاعت قصائده في الخمر والغزل والصيد وأبو تمام الطائي " المشهور بنزعته العقلية والفلسفية في الشعر، وتلميذه "أبو عبادة البحتري " صاحب المدائح الخالدة، و "ابن الرومي " المعروف بطول نفسه وغزارة شعره، و" أبو العتاهية" الذي اشتهر بالحكمة والغزل الرقيق، والمتنبي، الذي اشتهر بالفخر ، وأبو العلاء المعري، شاعر الحكمة         
وفي عالم الفنون والعمـارة، نجد أن، العباسيين لم يكونوا أقل اهتماما من الأمويين في مجال التشييد والتعمير، ففي العمارة بنى (أبو جعفر المنصور) على نهر دجلة عاصمته" بغداد (145- 149 هـ) على شكل دائري، وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية، لأن مـعظم المدن الإسلامية، كانت إما مستطيلة كالفسطاط، أو مربعة كالقاهرة، أو بيضاوية كصنعاء ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها ويعتبر تخطيط المدينة المدورة (بغداد)، ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلاميد ولاسيما في المدن الأخرى التي شيدها العباسيون مثل مدينة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة وإلى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنهما لغة الفن الإسلامي، وتقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح وسمي هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك وبالأسبانية التوريق وقد إشتهر الفنان المسلم بالفن التجريدي الوحدة الزخرفية النباتية كالورقة أو الزهرة، وكان يجردها من شكلها الطبيعي حتى لا تعطى إحساسا بالذبول والفناء، ويحورها في أشكال هندسية حتى تعطي الشعور بالدوام والبقاء والخلود ووجد الفنانون المسلمون في الحروف العربية أساسا لزخارف جميلة فصار الخط العربي فناً رائعاً، على يد خطاطين مشهورين فظهر الخط الكوفي الذي يستعمل في الشئون الهامة مثل كتابة المصاحف والنقش على العملة، وعلى المساجد، وشواهد القبور     
ومن أبرز من اشتهر بكتابة الـخط الكوفي، مبارك المكي " في القرن الثالث الهجري, و خط النسخ الذي استخدم في الرسائل والتدوين و نسخ الكتب، لهذا سمي بخط النسخ وقد نبغ في كتابته عدد من الخطاطين أمثال "ابن مقلة (ت 328 هـ) " ولابن البواب (ت 13 4 هـ) " وياقوت المستعصمي في القرن السابع الهجري      
وفن التصوير، أي رسم الإنسان والحيوان، فبالرغم من أن بعض علماء المسلمين الأولين، اعتبروه مكروهاً، إلا أنهم لم يفتوا بتحريمه والظاهر أن خلفاء بني أمية وبني العباس قد ترخصوا في ذلك إذ توجد صور آدمية متقنة على جدران قصورهم التي اكتشفت آثارها منذ عهد قريب في شرق الأردن وسامراء،كذلك ورد في كلام المؤرخين أن الخليفة "الأمين " كان لديه قوارب لنزهته في دجلة على هيئة الأسد والنسر والدلفين، وأن قصر "المقتدر بالله " اشتمل على تماثيل متحركة لفرسان بخيلها تتقدم وتتأخر كما في الحرب هذا إلى جانب قبة القصر الخلافي في بغداد التي أقيم في أعلاها على عهد "المنصور" تمثال لفارس بيده رمح يتحرك في اتجاه الريح كذلك وصلت إلينا كتب عربية موضحة بالصور الجميلة التي رسمها المصورون المسلمون مثل " الو اسطي " وغيره في مقامات "الحريري " وكتاب "كليلة ودمنة"  كذلك ازدهرت الموسيقى وتطورت آلاتها ومن أشهر المغنين والمغنيات في العصر العباسي الأول: قمر البغدادية" و" إبراهيم الموصلي "، وابنه "إسحاق " وتلميذه "أبو الحسن علي بن نافع " الملقب "بزرياب " الذي هاجر إلى المغرب والأندلس وحمل معه إلى هناك الموسيقى الشرقية التي ما زال تأثيرها باقيا في الموسيقى التي تعرف إلى اليوم في المغرب والجزائر وتونس باسم "الموسيقى الأندلسية" كذلك برع في دراسة الموسيقى من الناحيتين النظرية والعملية عدد من كبار العلماء وعلية القوم أمثال "الكندي " والفارابي " والخليفة "الواثق العباسي ولقد واكب هذه النهضة العلمية نشاط صناعة الورق، ونسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها فلقد ابتدع المسلمون المنهج العلمي في البحث والكتابة الذي يعتمد علي التجربة والمشاهدة فالاستنتاج وهم أول من أدخل الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية وأول من رسم الآلات الجراحية والعملية وأول من رسم الخرائط الجغرافية والفلكية التفصيلية لم يكن للعرب قبل الإسلام حضارة أو علوم تطبيقية وبعد الفتوحات لمصر والشام وفارس بدأ عصر الترجمة من كل اللغات وخاصة الفارسية والإغريقية والهندية فقاموا بترجمة علوم الطب والصيدلة و الفلك و الميكانيكا (علم الحيل النافعة) والعمارة والملاحة والموسيقى والبصريات والصناعات اليدوية للعربية وكانت مهظم العلوم ولاسيما علوم الإغريق فد ‘ندثرت وبعضها كان مدفونا مع العلماء في مقابرهم واتبع المسلمون المنهج العلمي في البحث والكتابة معتمدين علي التجربة والمشاهدة والاستنتاج  وهم أول من أدخل الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية وأول من رسم الآلات الجراحية والعمليات الجراحية وأول من رسم الخرائط الجغرافية والفلكية التفصيلية      
وبحكم تعاليم الدين الإسلامي فقد ابتعد علماء المسلمين عن الخرافات في بحثهم فلا تجد كلاماً عن الكهانة والسحر والجن والشعوذة والتمائم وغير ذلك مما تذخر به كتب الإغريق والهندوس والبيزنطيين وكان الخطاطون والنساخ يهتمون بمظهر الكتاب، ويزينونه بالزخارف الإسلامية كما تزين المصاحف تماماً         
وتحلى المخطوطات بالآيات القرآنية والأحاديث المناسبة ويكتب بماء الذهب وابتدعوا الموسوعات العلمية و ألفوا القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية كموسوعة علم النبات لابن البيطار يصدرون كتاباً سنوياً يسمى (المناخ) وهو موسوعة تبين أحوال الجو في العام القادم ومواسم الطقس والمطر من التوقعات الفلكية مما يساعد الزراع والمسافرين وقد نقلت أوروبا هذه الفكرة وتصدر اليوم موسوعة سنوية تسمى (المناخ بجميع اللغارت الأوروبية) تقوم على نفس الفكرة العربية وتحتل نفس الإسم العربي والمسلمون أول من أنشأ الجامعات العلمية وكانت أول جامعة هي (بيت الحكمة) التي أنشئت في بغداد سنة 830 م قبل أوروبا بقرنين كاملين و جامعة القرويين سنة 859 م في فاس وجامعة الأزهر سنة 970 م في القاهرة جامعة (دار الحكمة) التي أنشأها الحاكم بأمر الله في القاهرة سنة395 هـ ثم انتشرت الجامعات في كل مكانبالعالم الإسلامي وكان للجامعات الإسلامية تقاليدوتنظيم دقيق سبقت به أحدث الجامعات العصرية فكان للطلاب زي موحد خاص بهم وللأساتذة زي خاص وربما اختلف الزي من بلد إلي بلد ومن عصر إلي عصر ولكنه كان في الأزهر عمامة وجبة وطيلسان وقد أخذ الأوربيون عن المسلمين الروب الجامعي المعمول به الآن في جامعاتهم     وكان الخلفاء والوزراء إذا أرادوا زيارة الجامعة يخلعون زي الإمارة والوزراة ويلبسون زي الجامعة قبل دخولها         
وكانت اعتمادات الجامعات من ايرادات الأوقاف فكان يصرف للمستجد زي جديد وجراية لطعامه وأغلبهم يتلقى معونة مالية بشكل راتب دائم إذا أثبت احتياجه فكان التعليم للجميع بالمجان يستوي فيه العربي والأعجمي والأبيض والأسود وبالجامعات مساكن للطلبة ويسمون (بالمجاورين) لسكنهم بجوارها وكان بالجامعة الواحدة أجناس عديدة من الأمم والشعوب الإسلامية يعيشون في اخاء ومساواة تحت مظلة الإسلام والعلم  فهناك المغاربة والشوام والأكراد والأتراك وأهل الصين وبخارى وسمرقند وحتى من مجاهل أفريقيا وآسيا وأوروبا وكان لكل جنس من هذه الأجناس العديدة والشعوب المختلفة رواق خاحص بهم لتسهيل أمورهم وقضاء حاجاتهم وطعامهم وكان نظام التدريس في حلقات بعضها يعقد داخل الفصول وأكثرها في الخلاء في الساحة أو بجوار النافورة ولكل حلقة أستاذها يسجل الطلاب والحضور كان الحكام المسلمون يتبارون في استجلاب العلماء المشهو رين من أنحاء العالم الإسلامي ويغرونهم بالرواتب والمناصب ويقدمون لهم أقصى التسهيلات لأبحاثهم وكان هذا يساعد على سرعة انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامية من وطن إلي وطن في ديار الإسلام كان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف أما المترجم فكان منها الهندي والفارسي والإغريقي والمصري (من مكتبات الاسكندرية) ولم تكن المكتبات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الكتب بل كان في المكتبة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع كان المترجمون من جميع الأجناس الذين يعرفون العربية مع لغة بلادهم ثم يراجع عليهم علماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية أما النقلة والنساخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من كل كتاب علمي عربي حديث أو قديم وكانت أضخم المكتبات هي الملحقة بالجامعات ففي بيت الحكمة في بغداد وفي دار الحكمة في القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة كانت المخطوطات في كل منها بالألوف في كل علم وفرع من فروع العلم ويذكر المقريزي أن مكتبة القاهرة في عهد الخليفة العزيز بالله المتوفي في سنة 996 م قد أصدرت فهرساً بأسماء الكتب التي تحويها فبلغ الفهرس وحده أربعة وأربعين كتاباً وكانت كلها ميسرة للاطلاع أو الاستعارة بدون رهن فكان يحق للقارىء أن يستعير كتباً تبلغ قيمتها في حدود المائتي دينار بدون رهن ، ففي ذلك الوقت كانت نسبة الأمية بين فتيان المسلمين تكاد تكون معدومة وكان تعلم القرآن كتابة وقراءة إلزامياً   

احمد عبد اللطيف



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق